منافس لَهُ فى مطلبه لوجدانه من نَفسه أَنه الْفَاعِل فى حرمانه فينبرى لمناضلته وَتارَة يتَّجه إِلَى أَمر أسمى من ذَلِك إِن لم يكن لتَقْصِيره أَو لمنافسة غَيره دخل فِيمَا لقى من مصير عمله كَأَن هَب ريح فأغرق بضاعته أَو نزل صاعق فَأحرق مَاشِيَته أَو علق أمله بِمعين فَمَاتَ أَو بذى منصب فعزل يتَّجه من ذَلِك إِلَى أَن فى الْكَوْن قُوَّة أسمى من أَن تحيط بهَا قدرته وَأَن وَرَاء تَدْبيره سُلْطَانا لَا تصل إِلَيْهِ سلطته فَإِن كَانَ قد هداه الْبُرْهَان وتقويم الدَّلِيل إِلَى أَن حوادث الْكَوْن بأسره مستندة إِلَى وَاجِب وجود وَاحِد يصرفهُ على مُقْتَضى علمه وإرادته خشع وخضع ورد الْأَمر إِلَيْهِ فِيمَا لقى وَلَكِن مَعَ ذَلِك لَا ينسى نصِيبه فِيمَا بقى فالمؤمن كَمَا يشْهد بِالدَّلِيلِ وبالعيان أَن قدرَة مكون الكائنات أسمى من قوى الممكنات يشْهد بالبداهة أَنه فى أَعماله الاختيارية عقلية كَانَت أَو جسمانية قَائِم بتصريف ماوهب الله لَهُ من المدارك والقوى فِيمَا خلقت لأَجله وَقد عرف الْقَوْم شكر الله على نعْمَة فَقَالُوا هُوَ صرف العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ إِلَى مَا خلق لأَجله
على هَذَا قَامَت الشَّرَائِع وَبِه استقامت التكاليف وَمن أنكر شَيْئا مِنْهُ قد أنكر مَكَان الْإِيمَان من نَفسه وَهُوَ عقله الذى شرفه الله بِالْخِطَابِ فى أوامره ونواهيه
أما الْبَحْث فِيمَا وَرَاء ذَلِك من التَّوْفِيق بَين مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيل من أحاطة علم الله وإرادته وَبَين مَا تشهد بِهِ البداهة من عمل الْمُخْتَار فِيمَا وَقع عَلَيْهِ الِاخْتِيَار فَهُوَ من طلب سر الْقدر الذى نهينَا عَن الْخَوْض فِيهِ واشتغال بِمَا لَا تكَاد تصل الْعُقُول إِلَيْهِ وَقد خَاضَ فِيهِ الغالون من كل مِلَّة خُصُوصا من المسيحيين وَالْمُسْلِمين ثمَّ لم يزَالُوا بعد طول الْجِدَال وقوفا حَيْثُ ابتدءوا وَغَايَة مَا فعلوا أَن فرقوا وشتتوا فَمنهمْ الْقَائِل بسلطة العَبْد على جَمِيع أَفعاله واستقلالها الْمُطلق وَهُوَ غرور ظَاهر وَمِنْهُم من قَالَ بالجبر وَصرح بِهِ وَمِنْهُم من قَالَ بِهِ وتبرأ من اسْمه وَهُوَ هدم للشريعة ومحو للتكاليف وَإِبْطَال لحكم الْعقل البديهى وَهُوَ عماد الْإِيمَان
وَدَعوى أَن الِاعْتِقَاد بكسب العَبْد لأفعاله يُؤدى إِلَى الْإِشْرَاك بِاللَّه وَهُوَ الظُّلم الْعَظِيم دَعْوَى من لم يلْتَفت إِلَى معنى الاشراك على مَا جَاءَ بِهِ الْكتاب
1 / 32