أَو أَدِلَّة كَثِيرَة قد يظْهر بُطْلَانهَا وَلَكِن قد يسْتَدلّ على الْمَطْلُوب بِمَا هُوَ أقوى مِنْهَا فَلَا وَجه للحجز فِي الإستدلال
أما مَذَاهِب الفلسفة فَكَانَت تستمد آراءها من الْفِكر الْمَحْض وَلم يكن من هم أهل النّظر من الفلاسفة إِلَّا تَحْصِيل الْعلم وَالْوَفَاء بِمَا تنْدَفع إِلَيْهِ رَغْبَة الْعقل من كشف مَجْهُول أَو استسكناه مَعْقُول وَكَانَ يُمكنهُم أَن يبلغُوا من مطالبهم مَا شَاءُوا وَكَانَ الْجُمْهُور من أهل الدّين يكنفهم بحمايته ويدع لَهُم من إِطْلَاق الْإِرَادَة مَا يتمتعون بِهِ فِي تَحْصِيل لَذَّة عُقُولهمْ وإفادة الصِّنَاعَة وتقوية أَرْكَان النظام الْبُشْرَى بِمَا يكشفون من مساتير الْأَسْرَار المكنونة فِي ضمائر الْكَوْن فَمَا أَبَاحَ الله لنا أَن نتناوله بعقولنا وأفكارنا فِي قَوْله ﴿خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا﴾ إِذْ لم يسْتَثْن من ذَلِك ظَاهرا وَلَا خفِيا وَمَا كَانَ عَاقل من عقلاء الْمُسلمين ليَأْخُذ عَلَيْهِم الطَّرِيق أَو يضع العقبات فِي سبيلهم إِلَى مَا هُدُوا إِلَيْهِ بعد مَا رفع الْقُرْآن من شَأْن الْعقل وَمَا وَضعه من المكانة بِحَيْثُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَمر السَّعَادَة والتمييز بَين الْحق وَالْبَاطِل والضار والنافع وَبعد مَا صَحَّ من قَوْله ﵇ أَنْتُم أعلم بشئون دنياكم وَبعد ماسن لنا فِي غَزْوَة بدر من سنة الْأَخْذ بِمَا صدق من التجارب وَصَحَّ من الآراء
لَكِن يظْهر أَن أَمريْن غلبا على غالبهم الأول الْإِعْجَاب بِمَا نقل إِلَيْهِم عَن فلاسفة اليونان خُصُوصا أرسطو وأفلاطون ووجدان اللَّذَّة فِي تقليدهما لبادىء الْأَمر والثانى الشَّهْوَة الْغَالِبَة على النَّاس فِي ذَلِك الْوَقْت وَهُوَ أشأم الْأَمريْنِ زجوا بِأَنْفسِهِم فِي المنازعات الَّتِى كَانَت قَائِمَة بَين أهل النّظر فِي الدّين واصطدموا بعلومهم فِي قلَّة عَددهمْ مَعَ مَا انطبعت عَلَيْهِ نفوس الكافة فَمَال حماة العقائد عَلَيْهِم وَجَاء الغزالى وَمن على طَرِيقَته فَأخذُوا جَمِيع مَا وجد فِي كتب الفلاسفة مِمَّا يتَعَلَّق بالإلهيات وَمَا يتَّصل بهَا من الْأُمُور الْعَامَّة وَأَحْكَام الْجَوَاهِر والأعراض ومذاهبهم فِي الْمَادَّة وتركيب الْأَجْسَام وَجَمِيع مَا ظَنّه المشتغلون بالْكلَام يمس شَيْئا من مبانى الدّين واشتدوا فِي نَقده وَبَالغ الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُم
1 / 12