الباب الثالث في العدل
تأملت أحوال هذه الملة فوجدتهم بأجمعهم يقولون إنه تعالى عدل لا يظلم ولا يجور , وإن جميع أفعاله حق وجميع أقواله صدق , وذكروا أن ذلك معلوم من دين النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ ضرورة وأن الكتاب نطق به نصا , وعلمت أني لو دعوتهم إلى مخالفة هذا الظاهر لا يروج ولا يقبل . فدعوتهم إلى أمور تفصيلها نقض هذه الجملة وإثباتها رفع هذه الكلمة . فأول ما ألقيت إليهم أنه تعالى لا يقبح منه شيء لأن الأمر أمره والملك ملكه , وأنه ليس بمأمور ولا منهي ولا مملوك ولا مزبوب وإنما يقبح الأمور لهذه الوجوه . ثم ثنيت عليه أن جميع القبائح منه , وأنه يخلق الكفر ثم يعذب عليه , وأنه يعذب بغير ذنب ويعذب واحدا بذنب آخر , وأنه يخلق للنار قوما ويكلف ما لا يطاق , إلى غير ذلك . فقابلتموني بالقبول وصدقتموني في ما أقول ودنتم به ونصرتموه .
وأنكرت المعتزلة هذا الأصل أشد الإنكار , وقاموا وقعدوا في إبطاله , وقالوا هذا ينقض الأصل المجمع عليه وما أشارت النصوص إليه , وقالوا: لا ظلم أعظم من أن يعذب بغير ذنب أو يخلق الكفر ثم يعذب عليه , وذكروا أن القبيح قبيح من كل فاعل وأنه يقبح لوجه يرجع إليه , ودلوا على ذلك بأنه لو قبح للنهي لحسن للأمر فكان لا يحسن منه شيء , وقالوا : لو جاز ما قلتم لجاز أن يظهر المعجز على (أيدي ) الكذابين فيحسن منه , ولجاز أن يكذب في أخباره فيحسن , ولجاز أن يرسل رسولا يدعو إلى الباطل فيحسن . وقالوا : لو قبح للنهي لاختص بمعرفته من عرف النهي . وأيدوا كلامهم بآي من الكتاب وبكثير من الأخبار عن النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ وأصحابه .
পৃষ্ঠা ২৪