تلك رسالة الحياة.
رسالة الأدب
إذا رجعنا إلى اللغات القديمة، وجدنا أن كلمة أدب مشتقة من أدب المحرفة إلى آدم أي الإنسان، فتكون رسالة الأدب رسالة الإنسان، وهذا معنى في منتهى الطرافة، فإنه يحدد في الحال رسالة الأدب حين يجعلها مسألة إنسانية محضة.
فإذا رجعنا إلى هذه الكلمة في الإسلام وجدناها ترد بمعنيين؛ الأول: بمعنى التهذيب: «أدبني ربي فأحسن تهذيبي.» والثاني: بمعنى الدعوة: «هذا القرآن مأدبة الناس في الأرض.» والأصح أن هذه الدعوة، دعوة الناس إلى التلاقي، إما على مأدبة الطعام، وإما إلى غرض خلقي نبيل، وهذا ما يدعو إليه الحديث الآخر بلا جدال. أي إن القرآن يجمع الناس على مأدبة الخلق والحق.
على أن هذه الدعوة امتد ظلها ففقدت التركيز والتحديد، فصارت دعوة إلى المعارف عامة، بصفتها وسيلة من وسائل التهذيب، حتى صارت المعلومات الطبية أدبا، والمعلومات الفقهية أدبا
Literature ، ولكن العرب قد سبقوا غيرهم في هذا؛ سارعوا فحددوا موقفهم من كلمة الأدب، فقسموه إلى أدب النفس «التهذيب» وأدب الدرس «المعرفة»، فإذا تركنا أدب النفس جانبا، والتفتنا إلى أدب الدرس الذي أخذ بتطور العلوم والمعارف والثقافات يطغى على النصف الأول لمعنى كلمة الأدب حتى كاد أن يمحوها من الأذهان، وجدنا سؤالا واحدا يصاحب هذا الظل الممتد، وهو هذا؛ هل النثر والشعر والتاريخ جميعا تستحق أن تسمى أدبا؟ بالطبع كلا. يجب أن يقتصر الأدب على لون خاص، ذلك هو المأثور منه، بعبارة أخرى: الذي له طابع البقاء
permanence
وماذا نسمي ذلك الأدب الخالد؟ نسميه الأدب الرفيع، ويمكن أن ينضم تحت لواء ذلك الأدب الرفيع الآثار الباقية من الموسيقى والغناء والعمارة، ما دامت هذه كلها من أصول واحدة، لا تختلف عن الأدب البياني إلا في كيفية التعبير، وهذا «الأدب الرفيع» هو هو بعينه ما أسماه أهل الغرب «الفن»، وهي كلمة حديثة جدا في اللغة العربية، وهي في القاموس تعني الأسلوب أو الطريقة أو الإتقان أو التنويع، والفنان هو حمار الوحش لأنه يجيد فنون العدو، والمفن هو البارع الكثير الحيل.
وهنا يتناول أهل الغرب مسألة الأدب من حيث كونها «فنا» فيقولون: إن رسالة الأدب كرسالة الفن «البحث عن الجمال».
فالأدب على ذلك هو الفرع من الفن الذي يصل بنا عبر قنطرة الكلمة إلى حيث نرى ونؤمن بالجمال، ومن هنا يحسن أن نعرف الأدب تعريفا قويا ذا شعبتين:
অজানা পৃষ্ঠা