وأمام سؤال محير آخر: هل الحياة جاءت صدفة أم هي من عمل عاقل مبصر مدبر؟
وسؤال آخر: هل الحياة على هذه الأرض حياة خاصة بأهل هذه الأرض أم هي جزء من نظام عام، وبعض من كل؟
نتحدث عن القسم الأول من موضوعنا؛ أي الحياة وطبيعتها ومنشئها، فلا شك أننا إذا فهمنا شيئا ولو قليلا من ذلك اللغز الكبير الخفي، أمكننا أن نجيب في شيء من اليقين عن رسالة أبنائها.
إذا أقررنا نظرية داروين من حيث آليتها وميكانيكيتها اعتقدنا أن الحياة «ترس» ساعة أدارتها يد، ثم تركتها بشأنها دائرة أبدا، وتتلخص هذه النظرية في أن الحياة أسباب ومسببات وضرورات.
ولكن برجسون الفيلسوف الفرنسي الشهير، تتلمذ أولا على داروين، ثم ثار على عرشه وزعزعه. وكانت ثورته بالأخص على هذه الآلية التي بنيت عليها الحياة، وأخذ يدلل في قوة ومنطق وبيان قويم على أن وراء الحياة «وثبة» تدفعها لهدف بعينه وهو الكمال، فمن هنا يلتقي هدف داروين وهدف برجسون، ألا وهو «الكمال»؛ فالحياة تنتخب الأصلح وتدفع الأنسب إلى الأمام، وتطوي الضعيف وتهدم المتخاذل المزعزع، ولكن كلمة «انتخاب» إذا تدبرناها، عرفنا أن هذا لا يمكن أن يحدث جزافا، وإلا فأي قوة آلية يمكنها أن تميز بين الأصلح وغير الأصلح، وبين الأحسن والأسوأ، وبين الأقوى والأضعف؟
فهذه القوة العاقلة المنتخبة، إذن تعنى بالحياة لأنها تسير بها من حسن لأحسن، وتتخطى بها عقبة بعد عقبة، وتساعدها على النمو باطراد.
فهي إذن قد كفلت لها أسباب البقاء، وإلا فما معنى المحافظة على شيء زائل؟
فالمسألة ليست إذن مجرد خلق، ولا مجرد شعلة لمعت اعتباطا! وإلا انهار «المخلوق» ابن الصدفة وخبت الشعلة وليدة الأقدار! ولكن الذهن المدبر الذي خلق هذه الحياة، تفنن في الطرق التي تكفل استمرار الحياة، والتي تضمن لها البقاء.
فرسالة الحياة إذن استمرار الحياة.
وقد ضمن للحياة أن تستمر شيئان: (1)
অজানা পৃষ্ঠা