Uncritical belief ، ونشأت على أثر ذلك «البنود» التي يضعها القوي للضعيف ليطيعها إطاعة عمياء، القوي استسلم للقوى الخفية وخضع لها، والقوي يشرع للضعيف ليؤمن كما آمن ويستسلم كما استسلم، وهذه البنود هي «التقاليد»، وأقرب مثل لها النجاسة والطهارة وما هو مناسب للأخلاق وغير مناسب. هذه العقلية البدائية لهاتين الصورتين ظهرت في تاريخ العقل مرتين؛ المرة الأولى في الإنسان الفطري، والثانية في العصور الوسطى، ونحن في عصرنا الحاضر لم نتخلص منها مطلقا، ونحن نعاني منها ومما انحدر إلينا منها على الأجيال، عناءا شنيعا وعبودية أشنع، ومن العجيب أن أكثر التقاليد التي نمارسها اليوم بغير جدال ولا مناقشة انحدرت إلينا من الإنسان الأول، وكان عهدنا بها أمس القريب.
ولكن الفترات التي جاءت بين ظهور هذه العقلية البدائية من حين لآخر لم تساعد على محوها؟
حقيقة لقد قام في عصر اليونان ما يسمى بالعقلية «التاريخية»، وآية هذه العقلية أنها أخذت تناقش هذه المعتقدات، أخذت تتحرر من القيود القديمة، ولقد كان ذلك في أعلى صورة عند «سقراط»، ولا شك أن «أفلاطون» و«أرسطو» قاما بدورهما في التحرير، ولكن الجميع لم يتحرروا من الاعتقاد بالقوى الخفية والأشباح الجاثمة وراء الطبيعة، والسبب في ذلك أن العقل كان عند هؤلاء متفلسفا محدثا مجادلا، وقد كان عليه أن ينزل إلى عالم التجربة حتى يتكئ إلى الحقيقة، وحتى تستطيع التجربة أن تبدد أشباح الخرافات، ولكن الصناعات اليدوية كانت كلها بأيدي العبيد، ولم يكن من المتيسر أن تنزل الأرستقراطية الذهبية إلى أسواق العبيد.
من هذا يتضح لماذا وقفت الحركة التحريرية للعقل جامدة، ولماذا عاد العقل البدائي إلى الظهور.
إن عقلية القرون الوسطى قسمان: قسم ينتهي بسنت أوجستين وقسم يبدأ بعده.
أما القسم الأول فكان فيه شيء من النور إذ كان عهدا تمتزج فيه الديانة بالفلسفة، ولكن الفلسفة كانت تعتمد على السلطة في إكراه الناس على قبولها.
أما القسم الثاني فقد انصرف الناس فيه عن التفكير في الأرض وأخذ الشيطان نفسه يتطور، فسمى نفسه «الخطيئة» وأخذت محاكم التفتيش تعقد وتحاكم من ينحرف أي انحراف عن التعاليم المنشورة بواسطة مجلس القساوسة، ولكن شيئا هاما نشأ في وسط هذا الظلام الذي أغلقت فيه دور العلم، وأحرق فيه العلماء أو سجنوا، ذلك أن هذه التعاليم غذت الغرور الإنساني فاعتقد الإنسان أنه محور الكون، فالسماء تتدخل في شئونه وتراقبه وتحاسبه كل لحظة من لحظاته، ثم إن الشيطان ليس له من هدف إلا إغواء هذا الإنسان.
إذن، فالإنسان شيء هام جدا، نفض الإنسان عنه فجأة عبارة القرون، وأخذ ينادي بعظمة العقل الإنساني، وأخذ كذلك ينادي بالسيطرة على الطبقة، ولقد صدرت هذه النداءات من جهات متعددة على ألسنة عباقرة ظهروا فجأة كل في مكان.
ولا شك أن أعظم هؤلاء - من حيث تحرر العقل وتطوره - هو «باكون»؛ فقد كان أول من دعا إلى الطريقة العلمية التجريبية وفصلها وبينها في كتبه فكانت أساسا للعقلية الحديثة، ومنها ما أدى إلى التطور الأخير الذي لا يزيد على قرنين من الزمان، وخلاصة آراء «باكون» أنها الدعوة إلى استعمال خصائص العقل الإنساني من حيث التبويب والمقاربة والتحليل واستخلاص النتائج بطريقة تؤدي إلى عقلية خلاقة، وقد دعا إلى التحرير من عبودية الماضي، قائلا: إن نهر الزمن لا يحمل فوق سطحه إلا ما خف ولم يكن غاليا، أما الغالي الثمن فقد رسب في القاع.
ولكن هذا التحرير العلمي العملي كان يمشي جنبا إلى جنب مع التطور الاقتصادي، فكان من اللازم أن يحدث شيء جديد، ذلك هو أن يصير العقل العلمي اجتماعيا اقتصاديا، فلنا أن نسمي العقل الذي نتوقعه في المستقبل العقل الاجتماعي
অজানা পৃষ্ঠা