الرسالة السابعة رسالة إلى عبد الله أحمد بن أبي دواد يخبره فيها بكتاب الفتيا

পৃষ্ঠা ৩০৯

بسم الله الرحمن الرحيم

أطال الله بقائك وأعزك، وأصلح على يديك.

كان يقال: السلطان سوق، وإنما يجلب إلى كل سوق ما ينفق فيها.

وأنت أيها العالم معلم الخير وطالبه، والداعي إليه، وحامل الناس عليه من موضع السلطان بأرفع المكان؛ لأن من جعل الله إليه مظالم العباد، ومصالح البلاد، وجعله متصفحا على القضاة، وعتادا على الولاة، ثم جعله الله منزع العلماء، ومفزع الضعفاء، ومستراح الحكماء، فقد وضعه بأرفع المنازل، وأسنى المراتب.

وقد قال أهل العلم، وأهل التجربة والفهم: " لما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن ".

وقد كان يقال: شيئان متباينان، إن صلح أحدهما صلح الآخر: السلطان والرعية.

فقد صلح السلطان، وعلى الله تمام النعمة في صلاح الرعية، حتى يحقق الأثر، وتصدق الشهادة في الخبر.

পৃষ্ঠা ৩১৩

فنسأل الذي منحك حسن الرعاية أن يمنحنا حسن الطاعة.

وقد نظرت في التجارة التي اخترتها، والسوق التي أقمتها، فلم أر فيها شيئا ينفق إلا العلم والبيان عنه، وإلا العمل الصالح والدعاء إليه، وإلا التعاون على مصلحة العباد، ونفي الفساد عن البلاد.

وأنا - مد الله في عمرك - رجل من أهل النظر، ومن جمال الأثر، ولا أكمل لكل ذلك ولا أفي؛ إلا أني في سبيل أهله وعلى منهاج أصحابه. والمرء مع من أحب، وله ما اكتسب.

وعندي - أبقاك الله - كتاب جامع لاختلاف الناس في أصول الفتيا، التي عليها اختلفت الفروع وتضادت الأحكام، وقد جمعت فيه جميع الدعاوي مع جميع العلل. وليس يكون الكتاب تاما، ولحاجة الناس إليه جامعا، حتى تحتج لكل قول بما لا يصاب عند صاحبه، ولا يبلغه أهله؛ وحتى لا نرضى بكشف قناع الباطل دون تجريده، ولا بتوهينه دون إبطاله. وقد قال رسول رب العالمين وخاتم النبيين، محمد صلى الله عليه وسلم: " تهادوا تحابوا ".

فحث على الهدية وإن كان كراعا وشيئا يسيرا. وإذا دعا إلى اليسير الحقير فهو إلى الثمين الخطير أدعى، وبه أرضى.

ولا أعلم شيئا أدعى إلى التحاب، وأوجب في التهادي، وأعلى منزلة وأشرف مرتبة، من العلم الذي جعل الله العمل له تبعا، والجنة له ثوابا.

পৃষ্ঠা ৩১৪

ولا عذر لمن كتب كتابا وقد غاب عنه خصمه، وقد تكفل بالإخبار عنه، في ترك الحيطة له، والقيام بكل ما احتمله قوله. كما أنه لا عذر له في التقصير عن فساد كل قول خالف عليه، وضاد مذهبه، عند من قرأ كتابه وتفهم أدخاله، لأن أقل ما يزيل عذره ويزيح علته، أن قول خصمه قد استهدف لخصمه، وأصحر للسانه ومكنه من نفسه، وسلطه على إظهار عورته. فإذا استراح واضع الكتاب من شغب خصمه ومداراة جليسه، فلم يبق إلا أن يقوى على كسر الباطل أو يعجز عنه.

ومن شكر المعرفة بمغاوي الناس ومراشدهم، ومضارهم ومنافعهم، أن تحتمل ثقل مؤونتهم في تعريفهم، وأن تتوخى إرشادهم، وإن جهلوا فضل ما يسدي إليهم.

ولم يصن العلم بمثل بذله، ولم يستبق بمثل نشره. على أن قراءة الكتب أبلغ في إرشادهم من تلاقيهم، إذ كان مع التلاقي يكثر التظالم، وتفرط النصرة، وتشتد الحمية. وعند المواجهة يفرط حب الغلبة، وشهوة المباهاة والرياسة، مع الاستحياء من الرجوع، والأنفة من الخضوع. وعن جميع ذلك تحدث الضغائن، ويظهر التباين. وإذا كانت القلوب على هذه الصفة وهذه الحلية، امتنعت من المعرفة، وعميت عن الدلالة.

পৃষ্ঠা ৩১৫

وليست في الكتب علة تمنع من درك البغية، وإصابة الحجة؛ لأن المتوحد بقراءتها، والمتفرد بفهم معانيها، لايباهي نفسه، ولا يغالب عقله.

والكتاب قد يفضل صاحبه، ويرجح على واضعه بأمور:

منها أنه يوجد مع كل زمان على تفاوت الأعصار، وبعد ما بين الأمصار. وذلك أمر يستحيل في واضع الكتاب، والمنازع بالمسألة والجواب. وقد يذهب العالم وتبقى كتبه، ويفنى المعقب ويبقى أثره. ولولا ما رسمت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت من عجيب حكمها، ودونت من أنواع سيرها؛ حتى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها المستغلق علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم نكن ندركه إلا بهم لقد خس حظنا في الحكمة، وانقطع سببنا من المعرفة، وقصرت الهمة، وضعفت النية، فاعتقم الرأي وماتت الخواطر، ونبا العقل.

وأكثر من كتبهم نفعا، وأحسن ما تكلموا به موقعا، كتب الله التي فيها الهدى والرحمة، والإخبار عن كل عبرة، وتعريف كل سيئة وحسنة.

فينبغي أن يكون سبيلنا فيمن بعدنا كسبيل من قبلنا فينا. على أنا قد وجدنا من العبرة أكثر مما وجدوا، كما أن من بعدنا يجد من العبرة أكثر مما وجدنا.

পৃষ্ঠা ৩১৬