Sola Scriptura ، دون الالتجاء إلى سلطة آباء الكنيسة أو التراث المسيحي إبان العصور؛ لذلك يملأ سبينوزا الرسالة بالشواهد النقلية من الكتاب المقدس ولا يضيف على أقوال الأنبياء شيئا، ولو أنه يلجأ في بعض الأحيان في دراسته لتاريخ العبرانيين إلى التراث اليهودي أو لبعض النظريات الفلسفية عن ابن عزرا أو ابن ميمون أو البكار.
ويرفض سبينوزا كل التفسيرات التي تقوم على الهوى وعلى الخرافة وعلى الأوهام، فهي كلها بدع تؤخذ على أنها كلام الله، ويجبر الآخرون على الاعتقاد بها. وتلجأ بعض هذه التفسيرات إلى السلطة الإلهية حتى لا يظهر الآخرون أخطاءها، ويقوم البعض الآخر على الإيمان بالخرافات واحتقار العقل، ويعتمد البعض الثالث على الأسرار والغموض والاشتباه على التأويلات والتخريجات، وإخراج الكلم عن مواضعه، ووضع معتقدات لا عقلية صادرة عن انفعالات النفس.
لذلك يقترح سبينوزا منهجا آخر لتفسير النص مثل منهج تفسير الطبيعة ، يقوم على الملاحظة والتجربة، وعلى جمع المعطيات اليقينية، ووضع الفروض، واستخلاص النتائج. وفي حالة الكتاب يكون منهجا لاستقصاء الحقائق التاريخية اليقينية، والانتهاء منها إلى أفكار مؤلفي الأسفار، وبذلك نضمن صحة النتائج، كما نضمن صحة المعرفة التي نحصل عليها بالنور الفطري. مع أن الكتاب يعالج كثيرا من الموضوعات التي لا يمكن معرفتها بالنور الفطري، مثل قصص الأنبياء ووحيهم وقصص المعجزات، أي الروايات عن وقائع خارقة للعادة في الطبيعة تكيفت حسب آراء الرواة وأحكامهم السابقة، هؤلاء الذين نقلوها أو دونوها، والوحي الذي تكيف مع آراء الأنبياء، أي بعض الموضوعات التي تتعدى حدود المعرفة الإنسانية، بمعنى أنها تتطلب استقصاء تاريخيا؛ لذلك يجب أن نستخلص معرفتنا بالطبيعة من الطبيعة نفسها. ومع أننا نستطيع إثبات التعاليم الخلقية بالأفكار الشائعة إلا أننا يجب علينا استخلاصها أيضا من الكتاب نفسه. ومع أن هذه التعاليم الخلقية لا المعجزات، يمكنها إثبات المصدر الإلهي للكتاب، إلا أن منهج تفسير الكتاب يجب أن يقوم على فحص الروايات، كما يقوم المنهج الطبيعي على فحص الظواهر الطبيعية بأقصى درجة من الوضوح.
ويتضمن البحث التاريخي خطوات ثلاثا: (1)
معرفة خصائص وطبيعة اللغة التي دونت بها أسفار الكتاب المقدس، والتي تحدث بها مؤلفوها، وبذلك يمكننا معرفة معاني النصوص حسب الاستعمال العرفي لها. ولما كانت اللغة العبرية لغة الكلام والتدوين يجب إذن معرفة اللغة العبرية للعهدين القديم والجديد.
ولكن هذه الخطوة يصعب القيام بها، كما أنها تتطلب شرطا يصعب تحقيقه؛ فليس لدينا معرفة كاملة باللغة العبرية، ولم يترك القدماء لنا شيئا مضبوطا، فلم يترك لنا علماء اللغة معاجم وكتبا نعرف منها مبادئ اللغة العبرية، أو قواعد اللغة، أو في الخطابة، فقد فقدت الأمة العبرية كل شيء، ولم يبق إلا بعض المنوعات الأدبية، وضاعت أسماء النباتات والحيوانات والطيور والأسماك، وهناك أسماء وأفعال كثيرة في التوراة مجهولة أو مشكوك فيها، كما لا نعلم أساليب اللغة وطرق بيانها بعد أن طواها النسيان؛ لذلك لا نستطيع معرفة معاني النصوص طبقا لاستعمال الكلمات، فهناك كلمات معروفة للغاية، ولكن معناها غامض، لا يمكن العثور عليه. هذا بالإضافة إلى طبيعة هذه اللغة نفسها وعباراتها الغامضة التي لا يمكن لأي منهج توضيحها. ومن أسباب هذا الغموض: (أ)
استبدال الحروف التي لها المخرج نفسه، الشفاه، الأسنان، الحنجرة، اللسان، الحلق. (ب)
غياب الأزمنة (الحاضر، الماضي الناقص، الماضي التام، المستقبل السابق) في الصيغة الإخبارية، وغياب جميع الأزمنة إلا الحاضر في صيغة الأمر والصيغة المصدرية، وغياب الأزمنة جميعها في الصيغة الإنشائية. (ج)
غياب الحروف المتحركة. (د)
غياب التنقيط والتشكيل لبيان أجزاء الكلام، وقد وضع فيما بعد، مما يدعونا إلى الشك في القراءات الحالية.
অজানা পৃষ্ঠা