الملحق التاسع
ترجمة حياة الكردينال لافيجري
قد وقفت على فصول كثيرة بشأن هذا الرجل والكلام عليه، وبعضها بمدحه وبيان فضائله، والآخر بذمه وذكر مثالبه، وقد أحببت أن أورد شيئا من أقوال الطرفين لإحاطة القراء الكرام ليكونوا على بينة من أمره.
كتب الموسيو شارل سيمون ترجمة حياة الكردينال لافيجري في صدر كراسة عنوانها «محاربة الاسترقاق»، وهي الكراسة نمرة 220 من ضمن الكراسات الأسبوعية التي تصدرها باسم المكتبة الأهلية الجديدة
Nouvelle Bibliothèque Populaier
قال فيها ما خلاصته:
ولد شارل مارسيال المان لافيجري في مدينة بايون في 31 أكتوبر سنة 1825، وأراد أبوه أن يخرجه في علم القوانين، ولكن أمياله اتجهت إلى الكهنوت، فدخل بمدرسة سان سولبيس، ثم عين أستاذا للتاريخ الكنائسي في مدرسة السوربون بعد أن نال رتبة الدكتورية في اللاهوت، واشتهر بفصاحة التعبير وحسن الإلقاء.
ولما وقعت الفتن في سنة 1860 في بلاد الشام أرسل في مأمورية إلى بلاد المشرق، وفي سنة 1863 عين أسقفا لمدينة نانسي في فرنسا، وبعد ذلك بأربع سنوات أنشئت لأجله وظيفة رئيس الأساقفة في مدينة الجزائر، ومن ذلك العهد ظهرت أعماله وشاعت فضائله، ولما انعقد مجمع رومة في سنة 1870 كان من أول القائلين بعصمة البابا، وترشح للانتخاب بالنيابة عن مقاطعة البيرنات السفلى، فلم ينجح وخاب خيبة سياسية أخرى في الانتخابات التي وقعت سنة 1871، وفي عام 1874 أسس إرسالية الصحراء والسودان، ثم نظم طائفة الآباء البيض في الجزائر، وبعد ذلك في طرابلس وفي تونس، وهو من أكابر رجال هذا العصر، بل قليل منهم من تنجذب إليه النفس وتميل نحوه العواطف مثله، وفي ملامحه اللطف والطيبة والثبات، وهو من البلاغة والفصاحة بمكانة قل أن يناظره فيها غيره، وقد أتى بكثير من الأعمال الخيرية التي تخلد له الشكر مدى الدهر، وقد اكتسب رتبة الدكتورية في الآداب وفي الحقوق وفي اللاهوت وهو من أفاضل الأدباء وأكابر المحققين، ولو أنه اشتغل بالأمور الدنيوية لكان الآن متربعا في أرقى المناصب وأسنى المراتب، لأنه جمع صفات السياسة والكياسة والدراية والتنظيم والترتيب وصدق العزيمة وثبات المقصد، وغير ذلك من جميل الخلال.
ولا تسل عما أتاه هذا الرجل من الأعمال لتقدم أفريقيا، فإنه يجل عن الحصر، ويكاد يغيب عن الذكر، ولذلك فلا غرابة في أن العرب الذين خدمهم الكردينال خدمات فائقة في مدة القحط الذي وقع سنة 1867 سموه المرابط الأكبر والوالي الأعظم، وجاهروا بأنه إذا كان غير المسلمين لا بد من دخولهم جهنم (في الكوشة) بنص القرآن فلا شك أن الكردينال لافيجري مستثنى من ذلك، وقد ساعد على توطيد أركان السلام في تونس أكثر من جيش فيه 100000 مقاتل.
هذا هو رأي غامبتا، ومما يزيده اعتبارا أن غامبتا ما كان يخفي عداوته وكراهته للأعمال الكاثوليكية، وقبل مجيء الكردينال لافيجري إلى تونس لم يكن بها مستشفيات ولا مدارس ولا تكايا للفقراء، بل ولا مقبرة للنصارى، فلم تمض سنتان حتى بدل الأوضاع وأذهب الأحقاد، وهدأ الخواطر، وجمع الكلمة، وأسس كثيرا من العمائر الخيرية والوطنية والدينية، وجمع لها المال اللازم بنفسه من أفراد الناس، وقام في جميع أنحاء تونس بالتأسيس والعمارة والترميم والتعليم والتنظيم، وبعث بالإرساليات الدينية إلى أواسط أفريقيا، وشاد كنيسة كتدرائية (جامعة) مؤقتة في تونس في ظرف ستين يوما فقط، وبنى المدرسة الجميلة المعروفة بمدرسة سان شارل، وأوجد جبانة وديرا في مدينة تونس، وأقام كنيسة كتدرائية في قرطاجة، وأكثر المدارس المجانية والمستشفيات والملاجئ الخيرية في كل مكان، وجال في أقطار أفريقيا كنهر يفيض بالخيرات والبركات، ولكن الصنيع الذي يخلد ذكره على مدى الأدهار هو مشروعه الفائق الفاخر الذي غايته منه إحداث العقبات في طريق النخاسين، وإشهاره الحرب العوان عليهم، وقد فاز في ذلك فوزا عظيما؛ إذ جعل الملوك والأمم تنضم إلى لوائه في هذا الجهاد، ولهذا المقصد ألقى خطاباته الطنانة الرنانة التي سارت بذكرها الركبان في جميع أقطار أوربا، وهي في غاية البلاغة لما صورته من الأفكار السامية والحقائق التي تتصدع لها الأفئدة. ا.ه. ملخصا.
অজানা পৃষ্ঠা