أوه، لا، ليس بالكامل. كان ذلك تعميما ... بعض الشيء. لقد حظي السيد تاليسكر بكثير من السعادة والجمال من الجزر الغربية. لكن النزعة تجاه جعل شعب بدائي ما مثاليا كانت هي نفسها في كلتا الحالتين. وها هو رف الكتب التي تتناول الموضوع، وسيترك السيد جرانت ليدرسها على مهل.
كانت الكتب في غرفة المراجع، ولم يكن يوجد بها قارئ آخر غيره. أغلق الباب فعم الصمت وبقي مع بحثه. تفقد رف الكتب بنفس الطريقة تقريبا التي تفقد بها رف الكتب التي تتناول الجزر الغربية في غرفة الجلوس في منزل كلون، مستخرجا الموضوعات الرئيسية لكل منها بعين سريعة متمرسة. وكان النطاق هو نفسه تقريبا في الحالة السابقة؛ إذ تراوح بين العاطفيين والعلماء. الفارق الوحيد أن بعض الكتب في هذه الحالة كانت كلاسيكية، بما يتناسب مع موضوع كلاسيكي كهذا.
ولو أنه كان لدى جرانت بقية شكوك في أن الرجل الذي كان في المقصورة «ب 7» كان بيل كينريك، فقد زالت حين عرف أن الجزء الصحراوي من جنوب شرق شبه الجزيرة العربية كان يعرف باسم الربع الخالي.
كان ذلك إذن المقصود ب «سرقة كالي» (إذ كان نطق المقابل الإنجليزي لتلك العبارة قريبا من نطق اسم هذا المكان)!
بعد ذلك كرس جرانت اهتمامه للربع الخالي، فأخذ يمسك بكل كتاب على الرف، ويقلب الصفحات بحثا عن تلك المنطقة بعينها، ثم يعيد الكتاب إلى مكانه ليمسك بالكتاب التالي. وسرعان ما استرعت إحدى العبارات انتباهه. «تسكنها القرود ». قال له عقله، قرود. وحوش متكلمة. ثم رجع للصفحة السابقة ليرى ما الذي كانت تتحدث عنه تلك الفقرة.
كانت تتحدث عن عبار.
بدا أن عبار كانت أطلانطس شبه الجزيرة العربية. مدينة عاد بن كنعاد الأسطورية. في مرحلة ما بين الأسطورة والتاريخ، دمرت هذه المدينة حرقا بسبب آثامها. وذلك لأنها كانت مدينة غنية وآثمة بما يفوق قدرة الكلمات على التعبير. ضمت قصورها أجمل المحظيات، وضمت إسطبلاتها أفضل الجياد في العالم، التي كان جمال أحدها لا يقل البتة عن جمال الآخر. وكانت في بلاد خصبة، حتى إن المرء لم يكن عليه سوى أن يمد يده ليقطف ما تجود به التربة من فواكه. وكان هناك كثير من الفراغ الذي سمح بارتكاب خطايا قديمة وابتكار خطايا جديدة. لذا حل الدمار على المدينة. جاء الدمار ليلا، بنيران مطهرة. والآن صارت عبار، هذه المدينة الأسطورية، عبارة عن ركام وحطام، تحرسها الرمال المتحركة، ومنحدرات صخرية تتغير أشكالها وأماكنها باستمرار، وتسكنها سلالة من القرود وجن رجيم. لم يكن بمقدور أحد أن يقترب من ذلك المكان؛ لأن الجن كانوا ينفخون عواصف ترابية في وجه الساعين إلى الوصول إليها.
كانت تلك هي عبار.
ويبدو أن أحدا لم يجد أطلال تلك المدينة قط رغم أن كل مستكشف عربي بحث عنها سرا أو علنا. ومن المؤكد أنه لم يتفق اثنان من المستكشفين على أي مكان من شبه الجزيرة العربية كانت تشير إليه الأسطورة. فعاد جرانت يطالع المجلدات المختلفة، مستخدما الكلمة السحرية، كلمة عبار، ووجد أن كل كاتب خرج بنظرية خاصة به، وأن المواقع التي عليها جدال كانت بعيدة بعضها عن بعض كبعد عمان عن اليمن. ولاحظ أن أيا من الكتاب لم يحاول أن يستخف بالأسطورة أو يقلل من شأنها كوسيلة تخفيف من وطأة فشله؛ كانت قصة هذه المدينة منتشرة في شبه الجزيرة العربية وثابتة في شكلها، واعتقد العاطفيون والعلماء على حد سواء أن للأسطورة أساسا في الواقع. كان حلم كل مستكشف أن يصبح هو مكتشف عبار، لكن الرمال والجن والسراب كانوا يحرسونها جيدا.
كتب أحد أعظم الكتاب: «من المحتمل أن اكتشاف المدينة الأسطورية في نهاية المطاف لن يكون نتاجا لبحث أو لحسابات أجريت، وإنما سيكون من قبيل الصدفة.»
অজানা পৃষ্ঠা