فقال كولين وقد بدأ يصاب بفورة من الغضب: «لكن كل هذا مجرد ... مجرد افتراضات. إذا كان بمفرده، فكيف يمكن لأحد أن يتكهن بما حدث له؟» «لأن رجال الشرطة الإنجليزية هم أكثر المخلوقات مثابرة وميلا إلى الشك.» «الشرطة؟ هل تولت الشرطة هذا الأمر؟» «أوه، بكل تأكيد. تجري الشرطة التحقيق وترفع تقريرا علنيا إلى محقق الوفيات ومحلفيه. وفي هذه القضية أجريت تحقيقات واختبارات شاملة للغاية. وفي النهاية عرفوا كم شرب من الويسكي بالجرعات تقريبا ومتى شربه قبل ... قبل وفاته.» «وعن وقوعه على ظهره ... كيف يمكنهم أن يعرفوا ذلك؟» «أخذوا يطوفون بالمجاهر. كانت آثار الزيت والشعر المتقصف لا تزال موجودة على حافة الحوض. والجرح في الجمجمة كان متسقا مع سقطة على الظهر على الحوض.»
هدأ كولين لدى سماعه هذا، لكنه بدا مرتبكا مشوشا.
ثم سأل في إبهام: «كيف تعرف كل هذا؟» ثم أضاف بعد أن تنامى شعور الشك بداخله: «كيف رأيته على أي حال؟» «حين كنت في طريق الخروج صادفت مضيف عربة النوم يحاول إيقاظه. ظن الرجل أنه كان نائما من شدة ثمالته؛ لأن زجاجة الويسكي كانت قد تدحرجت على الأرض، وبدت رائحة المقصورة وكأنه كان يتجرع الشراب طوال الليل.»
لم ترض هذه الإجابة تاد كولين. فسأل: «تقصد أن تلك كانت هي المرة الوحيدة التي رأيته فيها؟ رأيته للحظة واحدة راقدا ... ميتا في مكانه، ويمكنك التعرف عليه من صورة فوتوغرافية - ليست جيدة جدا - بعدها بأسابيع.» «أجل. لقد تأثرت بوجهه. فالوجوه هي مجال عملي، ونوعا ما هوايتي. ما أثار اهتمامي هو الطريقة التي أضفى بها انحراف الحاجب تعبير جموح على وجهه حتى ... حتى حين كان وجهه لا يحمل أي تعبيرات حقيقية بأي شكل. وقد زاد اهتمامي بطريقة عرضية إلى حد كبير.» «لماذا؟» إذ لم يكن كولين يترك له أي مساحة. «حين كنت أتناول طعام الإفطار في فندق المحطة في بلدة سكون، وجدت أنني كنت قد أخذت عن طريق الصدفة صحيفة كانت قد سقطت من على السرير حين كان المضيف يحاول إيقاظه، وفي المكان المخصص للأخبار العاجلة - تلك المساحة الفارغة من الصحيفة، كما تعلم - كان أحد ما قد كتب بقلم رصاص بضعة أبيات من الشعر. «الوحوش المتكلمة، والأنهار الراكدة، والأحجار السائرة، والرمال المغنية ...» ثم كان مكانان شاغران لبيتين آخرين، ثم: «التي تحرس الطريق إلى الفردوس».»
فقال كولين وقد ازداد تجهم وجهه في لحظة: «كان ذلك هو ما أعلنت عنه. ما السبب الذي حملك على نشر إعلان عن هذا؟» «أردت أن أعرف مصدر تلك الأبيات إن كان مصدرها كتابا. وإن كانت أبياتا في طريقها لتصبح قصيدة، كنت أريد أن أعرف موضوعها.» «لماذا؟ ما الذي يجعلك تهتم بهذا الأمر؟» «لم يكن بيدي خيار في المسألة. كان الأمر يشغل ذهني كثيرا. أتعرف أحدا يدعى شارل مارتن؟» «لا، لا أعرفه. ولا تغير الموضوع.» «لا أفعل، رغم غرابة الأمر. هلا تفضلت بالتفكير في الأمر بجدية للحظة. هل سمعت من قبل أو عرفت في أي وقت من الأوقات شخصا يدعى شارل مارتن؟» «قلت لك لا! ليس علي أن أفكر. وأنت «بالطبع» تغير الموضوع! ما علاقة شارل مارتن بهذه المسألة؟» «طبقا لما أوردت الشرطة، الرجل الذي وجد ميتا في المقصورة «بي 7» كان ميكانيكيا فرنسيا يدعى شارل مارتن.»
بعد لحظة قال كولين: «اسمع يا سيد جرانت، ربما لا أكون ذكيا للغاية، لكن كلامك لا يبدو منطقيا. إنك تقول إنك رأيت بيل كينريك يرقد ميتا في مقصورة قطار، لكنه لم يكن بيل كينريك على الإطلاق، بل كان رجلا يدعى مارتن.» «لا، ما أقوله هو أن الشرطة تعتقد أنه رجل يدعى شارل مارتن.» «حسنا، أتوقع أن لديهم أسبابا قوية لاعتقادهم هذا؟» «أسباب راسخة. كان يحمل خطابات، وأوراق هوية. بل الأكثر من ذلك أن أهله قد تعرفوا عليه.» «حقا! إذن لماذا كنت تتلاعب بي؟! لا يوجد أي شيء يشير إلى أن هذا الرجل كان بيل! وإذا كانت الشرطة مقتنعة بأن الرجل كان فرنسيا يدعى مارتن، فلماذا ترى، بحق السماء، أن الرجل ليس مارتن وإنما بيل كينريك!» «لأنني الشخص الوحيد في العالم الذي رأى الرجل في المقصورة «بي 7» والذي في الصورة الفوتوغرافية.» أشار جرانت برأسه باتجاه الصورة التي كانت موضوعة على الطاولة.
جعل هذا كولين يتوقف برهة. ثم قال: «لكن تلك صورة رديئة. ولا يمكن أن تحمل الكثير لرجل لم ير بيل مطلقا.» «ربما كانت صورة رديئة من ناحية كونها مجرد لقطة سريعة، لكن التشابه كبير جدا بالفعل.»
فقال كولين ببطء: «أجل، إنه كذلك.» «فكر في ثلاثة أشياء؛ ثلاث حقائق. أولها: أهل شارل مارتن لم يكونوا قد رأوه لسنوات، ثم رأوا وجهه وهو ميت، إن قيل لك إن ابنك قد مات، ولم يشر أحد إلى وجود أي شك حيال هويته، فسترى الوجه الذي توقعت أن تراه. ثانيها: وجد الرجل المعروف باسم شارل مارتن ميتا على متن قطار في اليوم نفسه الذي كان من المقرر أن تتلاقى فيه مع بيل كينريك في باريس. ثالثها: في مقصورته كانت توجد قصيدة مكتوبة بقلم رصاص عن وحوش متكلمة ورمال مغنية، وهو موضوع، بناء على قولك، كان يثير اهتمام بيل كينريك كما أشرت.» «هل أخبرت الشرطة بأمر الصحيفة؟» «حاولت. لكنهم لم يكونوا مهتمين. لم يكن ثمة غموض في الأمر، كما ترى. كانوا يعرفون هوية الرجل، وكيف مات، وذلك كان كل ما يشغلهم.» «ربما كانوا سيهتمون بأنه كان يكتب شعرا بالإنجليزية.» «أوه، لا. لا يوجد دليل على أنه كتب أي شيء، أو على أن الصحيفة كانت تخصه من الأساس. ربما أخذها من مكان ما.»
قال كولين بغضب وحيرة: «الأمر برمته جنوني.» «إنه عجيب. لكن في قلب كل دوامة من العبث يوجد لب ثابت.» «حقا؟» «أجل. توجد مساحة ضئيلة خالية يمكن للمرء أن يقف فيها وهو يفكر في الاحتمالات.» «وما تلك المساحة؟» «صديقك بيل كينريك مفقود. ومن بين مجموعة من الأوجه الغريبة، اخترت بيل كينريك بصفته الرجل الميت الذي رأيته في مقصورة عربة النوم في سكون صباح يوم الرابع من شهر مارس.»
فكر كولين مليا في حديث جرانت. ثم قال في حزن: «أجل. أظن أن ذلك منطقي. أظن أنه لا بد أن يكون بيل. وأظن أنني كنت أعرف طوال الوقت بأن خطبا؛ خطبا مريعا قد حدث. ما كان ليهجرني من دون خبر. كان سيبعث لي بخطاب أو يهاتفني أو شيء من شأنه أن يعطي سببا لعدم مجيئه في الموعد. لكن ما الذي كان يفعله على متن قطار متجه إلى اسكتلندا؟ ماذا كان يفعل على متن قطار أيا كان؟» «كيف: أيا كان؟» «إن أراد بيل أن يذهب إلى مكان ما، كان سيستقل طائرة. ما كان سيستقل قطارا.» «معظم الناس يستقلون قطارا ليلا لأنه يوفر الوقت. فالمرء يسافر وينام في الوقت نفسه. السؤال هو: لماذا استقل القطار بصفته شارل مارتن؟» «أظن أن هذه قضية تخص سكوتلانديارد؟» «لا أظن أن سكوتلانديارد ستشكرنا.»
অজানা পৃষ্ঠা