وكذلك كان حال مقصورته حين كنت قد انتهيت منها. فبينما بدأت أنوار مدينة كرو تمر بنا كنت أضع اللمسة الأخيرة. إذ وضعت الزجاجة نصف الممتلئة على الأرض ودحرجتها جيئة وذهابا على السجادة. وبينما كانت سرعة القطار تتباطأ فتحت قفل الباب وخرجت وأغلقته خلفي، وسرت في القطار مبتعدا حتى أصبح بيني وبين المقصورة «بي 7» عدة عربات، فوقفت أنظر بطريقة عفوية واهتمام إلى الازدحام على الرصيف، ثم ترجلت إلى الرصيف بطريقة عفوية أيضا وسرت عليه. في قبعتي ومعطفي لم تبد هيئتي كهيئة المسافرين، ولم يلاحظني أحد.
عدت إلى لندن على متن قطار منتصف الليل، ووصلت إلى محطة يوستن في الثالثة والنصف، وكنت مبتهجا كثيرا حتى إنني سرت حتى المنزل. كنت أسير وكأنني أطير في الهواء. فتحت باب المنزل ودخلت، وكنت نائما في هناءة حين أتى محمود في السابعة والنصف ليوقظني ويذكرني بأن لدي موعدا لاستقبال ممثلي مجلة «باثيه» في التاسعة والنصف.
ولم أعرف بأمر الكلمات التي كتبت على الصحيفة التي كانت في جيب معطفه حتى أتيت لمقابلتي. أعترف بأنني للحظة شعرت بالهلع من أن أكون قد أغفلت أي شيء، لكن تلك الزلة كانت طفيفة؛ مما أشعرني بالارتياح في الحال. إذ لم تنتقص بأي طريقة من إنجازي المميز ولم تعرضه للخطر. كنت قد تركته يحتفظ بمعطفه البائس البالي كجزء من إعداد المشهد. أما مسألة أنه ثبت أن الكلمات المكتوبة على الصحيفة كانت بخط يد كينريك، فلم تكن أمرا يهم السلطات التي قبلت بأن الشاب هو شارل مارتن.
وفي المساء التالي، في ساعة الذروة، قدت السيارة إلى فيكتوريا، واستعدت حقيبتي كينريك من غرفة حفظ الأمتعة. وأخذتهما إلى المنزل ، وأزلت منهما كل علامات الصانع وكل الأشياء التي يمكن التعرف عليها بسهولة، وحكتهما في قماش، وأرسلتهما بمحتوياتهما إلى منظمة لاجئين في الشرق الأدنى. إن أردت يوما ما أن تتخلص من أي شيء يا عزيزي السيد جرانت، فلا تحرقه. بل أرسله بالبريد إلى جزيرة نائية في البحار الجنوبية.
وبعد أن تأكدت من استمرار لسان كينريك الكتوم بصورة مثيرة للإعجاب في كونه كتوما، كنت أتطلع للاستمتاع بثمار عملي. وبالفعل تلقيت أمس تأكيدات بالدعم الكافي لحملتي الاستكشافية الجديدة، وكنت قد خططت للسفر بالطائرة الأسبوع المقبل. بالطبع غير خطاب كينزي-هيويت هذا الصباح كل ذلك. لقد حرمت من ثمار إنجازي. لكن لا أحد يمكنه أن يحرمني الإنجاز نفسه. إن لم يكن من الممكن أن أعرف بأنني مكتشف عبار، فسأشتهر بأنني منفذ جريمة القتل المثالية الوحيدة التي ارتكبت على الإطلاق.
لا يمكنني أن أبقى هنا لأكون شمعدانا يحمل شموع انتصار كينزي-هيويت. كما أنني أصبحت أكبر سنا من أن أحظى بالمزيد من الانتصارات الخاصة بي. ولكن «يمكنني» أن أشعل نارا ستجعل الشموع على مذبح كينزي-هيويت تبدو صغيرة وخافتة وغير مهمة. ستكون محرقتي الجنائزية منارة تنير أوروبا كلها، وسيكون ما حققته من إنجاز في عملية الاغتيال موجة مد عارمة ستكتسح كينزي-هيويت وعبار، وتلقي بهما في صناديق قمامة الصحافة العالمية.
هذا المساء، عند الغسق، سأشعل محرقتي، على أعلى منحدر في أعلى جبل في أوروبا. لا يعرف محمود بهذا. يظن أننا ذاهبان بالطائرة إلى أثينا. لكنه كان معي طيلة سنوات كثيرة، وسيكون حزينا كثيرا من دوني. لذا سآخذه معي.
عزيزي السيد جرانت، وداعا. يحزنني أن يضيع أحد في ذكائك مواهبه في مؤسسة غبية كتلك الكائنة في إمبانكمنت. كانت مهارة منك أن تكتشف أن شارل مارتن لم يكن شارل مارتن، وأنه كان شخصا يدعى كينريك، وأحييك على ذلك. أما ما لم تكن ماهرا بما يكفي لأن تكتشفه فهو أنه لم يمت جراء حادثة. الأمر الذي لن يكون أي أحد ماهرا بما يكفي لأن يكتشفه هو أنني من قتله .
رجاء، اعتبر خطابي هذا تعبيرا عن تقديري ورسالة وداع. ستنشر السيدة لوكاس هذا صباح يوم الجمعة.
إتش سي هيرون لويد
অজানা পৃষ্ঠা