سألها: «أين السيد لويد؟» «أوه، السيد لويد ذهب إلى كمبرلاند ليوم أو يومين.» «كمبرلاند! متى ذهب إلى كمبرلاند؟» «عصر يوم الخميس.» «متى تتوقعين عودته؟» «أوه، سيغيبان ليوم أو يومين.» «سيغيبان؟ أنت تقصدين أن محمود ذهب معه.» «بالطبع محمود ذهب معه. لا يذهب السيد لويد إلى أي مكان دون أن يذهب محمود معه.» «فهمت. أيمكنك أن تعطيني عنوانه؟» «لو كنت أعرفه لأعطيتك إياه. لكنهما لا يزعجان أنفسهما بأمر تغيير العنوان حين يغيبان ليوم أو يومين فقط. هل ستترك له رسالة؟ أم لعلك ستعرج مرة أخرى؟ من المرجح أنهما لن يعودا عصر اليوم.»
لا، لن يترك رسالة. سيعرج مرة أخرى. لم يكن مهما أن يخبرها باسمه.
شعر جرانت بصدمة وكأنه شخص ضغط على مكابح سيارته فجأة واصطدم بالزجاج الأمامي. وتذكر وهو في طريق خروجه إلى سيارته أن تاد كولين سيقرأ ذلك الخبر في غضون بضع دقائق، إن لم يكن قد قرأه بالفعل. فعاد إلى شقته حيث التقى في الردهة بالسيدة تينكر التي شعرت بارتياح لرؤيته. «حمدا للرب على عودتك. ذلك الفتى الأمريكي اتصل هاتفيا وهو يمر بأمر مريع. لا يمكنني أن أفهم أيا مما يظن أنه يتحدث عنه. إنه غاضب إلى حد الجنون. قلت له: سيتصل السيد جرانت بك لحظة وصوله، لكنه لم يستطع أن يترك الهاتف. فما إن يضع السماعة من يده حتى يتصل مرة أخرى. كنت أهرع جيئة وذهابا بين الحوض والهاتف مثل ...» ثم رن جرس الهاتف. «تفضل! ها هو ذا يتصل مجددا!»
رفع جرانت السماعة. كان تاد بالفعل هو المتصل، وكان كما قالت السيدة تينكر تماما. كان كلامه مفككا من شدة الغضب.
ظل يقول: «لكنه كذب! لقد كذب ذلك الرجل. «بالطبع» أخبره بيل بكل ذلك!» «أجل، بالطبع فعل. اسمع يا تاد ... اسمع ... لا، لا يمكنك أن تذهب وتبرحه ضربا ... أجل، بالطبع يمكنك أن تعثر على منزله بنفسك، لا شك عندي في هذا، لكن ... «اسمع» يا تاد! ... لقد «ذهبت» إلى منزله ... أوه، أجل، في «هذه» الساعة من الصباح حتى. فأنا أقرأ الصحف في وقت أبكر منك ... لا، لم أضربه. لم أستطع ... لا، ليس لأنني خائف، ولكن لأنه في كمبرلاند ... أجل. منذ يوم الخميس ... لا أعرف. سيتعين علي أن أفكر في الأمر. أمهلني حتى وقت الغداء. هل تثق في حكمي على الأمور عموما؟ ... حسنا، سيتعين عليك أن تثق بحكمي في هذا الشأن. لا بد أن أحظى ببعض الوقت لأفكر. لأتوصل إلى دليل بالطبع ... إنه إجراء معتاد ... سأقص قصتي على شرطة سكوتلانديارد بالطبع، وبالطبع سيصدقونني. أقصد قصتي عن زيارة بيل إلى لويد، وعما قاله لي لويد من أكاذيب. لكن إثبات أن شارل مارتن كان بيل كينريك هو أمر مختلف تماما. حتى موعد الغداء سأكتب بيانا لسكوتلانديارد وأرسله. تعال حوالي الواحدة ظهرا، ويمكننا أن نتناول الغداء معا. لا بد أن أرفع الأمر برمته إلى السلطات عصر اليوم.»
كره جرانت الفكرة. كانت هذه معركته وحده. كانت معركته وحده منذ البداية. منذ تلك اللحظة التي نظر فيها عبر باب المقصورة المفتوحة إلى وجه فتى ميت مجهول. وصارت معركته وحده ألف مرة أكثر منذ لقائه بلويد.
كان قد بدأ يكتب حين تذكر أنه لم يأخذ بعد الأوراق التي تركها مع كاترايت. فرفع سماعة الهاتف واتصل بالرقم، وطلب امتداد خط هاتف كاترايت. هل يمكن أن يجد كاترايت مبعوثا يرسل معه تلك الأوراق؟ إذ كان جرانت مشغولا للغاية. كان اليوم هو يوم سبت، وكان ينهي كل أموره العالقة قبل العودة إلى العمل يوم الإثنين. سيكون شاكرا لذلك كثيرا.
عاد إلى ما كان يكتبه، وأضحى منهمكا جدا حتى إنه لم ينتبه إلا قليلا جدا إلى أن السيدة تينكر كانت قد أحضرت الصحيفة الثانية؛ صحيفة الظهيرة. وعندما رفع ناظريه عن الورقة ليفتش في ذهنه عن كلمة يكتبها، وقعت عينه على الظرف الذي كانت قد وضعته إلى جواره على المكتب. كان ظرف فولسكاب، متينا وغالي الثمن، وممتلئا بما في داخله، ومعنونا بخط يد رفيع مزوي متشنج، تمكن صاحبه أن يجعله دقيقا ومزخرفا في الوقت نفسه.
لم يكن جرانت قد رأى خط يد هيرون لويد من قبل. فتعرف عليه من فوره.
وضع قلمه بحذر، وكأن الخطاب الغريب كان قنبلة وستنفجر عند أدنى اهتزاز لا داعي له.
অজানা পৃষ্ঠা