57

Spincerian argument

وإن طريقتي في الاستدلال تشبه طريقة سبنسر في تحقيقاته.» وما كنت لأعيد هذا «التقريظ الشفوي» اليوم في كتابتي عنه، لولا أنه سجله في المقتطف حين قرظ ديوان صديقنا المازني، فقال عن مقدمتي له: إنها اشتملت على تحقيقات تشبه طريقة سبنسر في الاستدلال. •••

وعلى تعدد الزيارات لم يكن ينسى كلما زرته أن يسألني عما أصنعه لنفسي ولمستقبلي، وعما أجده في المدرسة وفي شواغلي الأدبية، وكان يحثني كل مرة على إتمام دراستي لأبي العلاء المعري، التي نشرت منها مقالين في المقتطف، ثم اقتضبتها للعودة إليها مع زيادة الشرح والتحليل، فإذا انتقل الحديث إلى موضوعات المقتطف أو موضوعات الدكتور التي يفكر فيها، فقلما كان الحديث يستطرد بنا إلى غير اللغة ومسائل الاجتماع مما له علاقة بالدين والأخلاق، وقلما عرض للسياسة إلا أن تتفق الزيارة على أثر حادث من الحوادث البارزة التي لا يتخطاها المتحدثون في إبانها، وكذلك رأيته يوما وعلى وجهه مسحة الامتعاض الظاهر بعد أن تعاقب إلقاء القذائف على طائفة من الوزراء ورؤساء الدولة، فقال بشيء من المرارة: «إننا تقدمنا جدا وأفرطنا غاية الإفراط في التقدم، ولم لا؟ هذه مبادئ التطرف في الوطنية تنتهي إلى الطرف الأقصى من مبادئ الفوضويين!»

وزرته يوما وهو يقرأ كلاما في الصحف عن نهضة الإسلام وعودة السلطان إلى الأمم الإسلامية يستشهد فيه الكاتب بالآية القرآنية من سورة القصص:

ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .

فسألني بلهجته اللبنانية متبسطا: «وليش ما عمل؟»

قلت: «إن الخالق يريد، وعلى الخلق أن يعملوا بما أراد.»

فعاد يقول في جد ووقار: «نعم يعود الإسلام إذا عاد أهله إلى صدق العقيدة.» ثم يستطرد فيقول: «إن الأعرابي والمعزة لا يبقيان على شيء أخضر حيث ذهبا. ولكن غيرة الإسلام هي التي ابتعثت من الأعرابي صانعا للدول والسلطنات.» وأحسبه قال: «إن عالم الإسلام - محمد عبده - قد عرف طريق العودة ودل المسلمين عليه، وما من طريق لتلك العودة غير العلم والأخلاق.»

وربما جشمه البحث عن تحقيق كلمة لغوية أن يصعد السلم ليلتقط هذا الكتاب من هنا وذاك الكتاب من هناك، فلا يستريح أو يحقق الصواب في الكلمة قبل استعمالها فيما يكتب أو يترجم.

رأيته يوما على السلم يبحث عن كلمة «الشهية» هل وردت في الكلام الفصيح بمعنى القدرة على اشتهاء الطعام؟ وهل من الجائز أن يقال على بعض التوابل والأباريز إنها تفتح «الشهية»؟ فانتهى على أن كلمة المشهيات أصح ما يقال في هذا المعنى، وأن القابلية خير من «الشهية» للدلالة على المقصود من تهيئة الجسم لطلب الطعام.

অজানা পৃষ্ঠা