ملأت صدري برائحة الجو، والبلاد كالأشخاص لكل منها رائحة خاصة مميزة، ورائحة طهران جذابة بقدر ما فيها من رائحة الجبل، والمياه الذائبة الساقطة من فوق القمم الثلجية في شلالات صغيرة تنكسر فوق الصخور ثم تجري صافية بين الأشجار العالية على جانبي الشوارع المنحدرة إلى أسفل.
وسرت في الطريق الجبلي الصاعد نحو شميران حتى الشارع الضيق، ووقفت أمام البيت الصغير، لا زلت أذكر شكل الحديقة الصغيرة التي رأيتها منذ عامين، والسلم الصغير الذي يقود إلى حجرة الاستقبال، وفتح الباب، وكنت أظن أن الشاب الأشيب الطويل النحيل سيظهر على الفور كما ظهر في نوفمبر 1968. لكنه لم يظهر، وخرجت لي امرأة شابة متشحة بالسواد، تعرفت على ملامحها رغم شحوبها ونحولها؛ إنها زوجته سيمين دانشوار أستاذة تاريخ الأدب في جامعة طهران.
وحكت لي الدكتورة دانشوار قصة وفاة زوجها جلال آل أحمد؛ كان يمضي إجازة الصيف الماضي على شاطئ بحر قزوين، وكانت معه تقرأ له بعضا من الشعر بعد رياضته على الشاطئ حينما وضع رأسه على الوسادة وصمت إلى الأبد. كانت الدنيا ليلا، والمنطقة بعيدة عن المدينة بغير كهرباء، واستنجدت ببعض عمال الشاطئ، وعندما عرفوا أنه جلال آل أحمد جاءوا من كل الأكواخ وملئوا مصابيحه بالجاز، وحوطوه بالزهور، وسهر النجارون حتى الفجر يصنعون له نعشا مزخرفا. وابتلعت الدكتورة دانشوار دموعها وهي تقول: مات جلال بين الناس الذين أحبهم وكتب عنهم طوال الستة والأربعين عاما التي صنعت كل عمره، مات في 17 سبتمبر سنة 1969 منذ تسعة أشهر. لم يمض عام على موته بعد، مات شابا، وتساءلت: هل أصابه مرض؟
وتلفتت حولها وهمست بصوت خافت: لا أعرف، كنا نجلس في غرفة تطل على الحديقة، ودب الصمت فجأة، وحفيف الشجر بدا كوقع الأقدام الخفية. وسرت فوق جسدي القشعريرة، وهمست: أتظنين أن البيت مراقب؟
وقالت بصوت حزين: لا أعرف.
وفجأة انقطع التيار الكهربائي وغرق البيت في الظلام، وجلست في مكاني غير قادرة على النطق أو الحركة.
وسمعت صوت دانشوار الخافت: التيار الكهربي ينقطع كثيرا فلا تنزعجي.
وعاد النور بعد دقائق، وقرأت لي بعض فقرات من روايتها الأخيرة، عنوانها: «الحزن على سيايوشي»، استوحتها من الأساطير الفارسية القديمة قبل مجيء الإسلام. كان «سيايوشي» بطلا شعبيا، وجد مقتولا وحزن عليه الناس. نشرت دانشوار روايتها قبل موت جلال آل أحمد بأسبوعين، وقال لها جلال: لا تنشريها هذه الأيام، ربما تجعلهم يضعون الفكرة في رءوسهم!
مسحت سيمين دانشوار عينيها وقالت: خاتمة روايتي جاءت على شكل أبيات من الشعر، يرسلها الناس إلي الآن من كل أنحاء إيران.
وقرأت خاتمة روايتها، وجاءت كالآتي:
অজানা পৃষ্ঠা