أضاءت رقعة مستطيلة من الضوء فوق رأسي عليها حروف بالإنجليزية: اربطوا حزام المقعد، أطفئوا السجائر. صوت أنثوي يعلن في الميكرفون أن الطائرة تهبط، ولم أسمع بقية الكلمات، الميكرفون يأكل نصف الحروف، والأزيز العالي يبتلع النصف الآخر، وجدران أذني تنطبق وتنغلق تحت ضغط مفاجئ، ولم أعد أسمع إلا صفيرا حادا، ثم انفتحت أذني فجأة بصوت أشبه بالفرقعة الخفيفة وزال الضغط تماما، وسمعت صوتا كهدير الشلال، ثم ارتج جسمي مع ارتطام عجلات الطائرة بالأرض.
ولا بد أن وجهي كان شاحبا؛ لأن قلبي كان يدق بسرعة، وحلقي جف تماما.
على أرض مطار بني غازي رأيتها من خلال الزجاج تسير بين الصفوف، تحمل على ذراعها الأبيض النحيل دميتها البلاستيك كأم تحمل ابنتها الوحيدة، وبيدها الأخرى أمسكت حقيبة جلدية صفراء.
عاصفة من الرمال هبت وطيرت شعرها الأصفر، ورأيتها تغطي ركبتيها البيضاوين بطرف ردائها، وهواء بني غازي يعاندها ويرفع عنها الرداء، ووجوه سمراء تتفرسها، وعيون جائعة تلتهمها.
ورأيتها تتوقف ثم تستدير نحو نافذتي، ولوحت لي من بعيد بمنديلها الأبيض الصغير، فلوحت لها وخوف غامض يسري في كياني. •••
حين هبطنا في الجزائر كانت الشمس لا تزال في السماء، شمس الأصيل الدافئة تلمع فوق الشجر والجبل العالي الأخضر. لأول مرة في حياتي أرى جبلا عاليا أخضر صاعدا نحو قرص الشمس. في مصر لم أعرف إلا الأرض المستوية، وجبل المقطم لم يكن جبلا، والخضرة في مصر لم يكن لها اللون الأخضر القوي الداكن.
سمعت من خلفي صوتا يقول: حمد الله على السلامة، استدرت بسرعة، رأيت الوجه الطويل الأسمر والشارب الدقيق المنمق فوق الشفة العليا، اسمه الدكتور «جميل ياسر» وكان أستاذا لي بالكلية.
تساءل: أنت وحدك؟
قلت: نعم.
قال: تعالي معنا، سنأخذ تاكسيا إلى الفندق. كانت معه زوجته، امرأة ضخمة سمينة تتأرجح على كعبين رفيعين. السائق الجزائري يتكلم بالفرنسية. الساعة حول معصمي تشير إلى الثامنة والنصف، ولا تزال الشمس في السماء. وقال الدكتور جميل ياسر: ألم تغيري ساعتك؟ الساعة الآن الخامسة والنصف.
অজানা পৃষ্ঠা