وفي شوارع نيودلهي العاصمة أرى الحدائق الجميلة النظيفة والشوارع الواسعة اللامعة، ولكن هناك أيضا أسراب البقر تسرح جماعات ووحدانا في جميع الشوارع، وهؤلاء الذين يحرمون لحم البقر، وهؤلاء الذين يعبدون النار أو الشمس أو أي كائن حي، وهؤلاء الذين يعلقون موتاهم في الشجر لتأكلها النسور المسماة «قالتشرز».
كل شيء وأي شيء يمكن أن تراه في الهند، حتى أحلامي المزعجة وأنا طفلة رأيتها في الهند، حتى أغرب الخزعبلات البعيدة عن أي عقل بشري وجدتها في الهند. هذا كله إلى جوار أحدث المعاهد العلمية وأرقى الصناعات وأعلى نسب في العالم من الحاصلين على أعلى الشهادات، سواء كانوا رجالا أو نساء.
من الصعب على العين الغريبة عن الهند أن تلمس قوة المرأة الهندية، كثير من الصحفيين يذهبون إلى أنديرا غاندي رئيسة الوزراء ويسألونها كيف تقود هذا البلد الضخم وهي امرأة، في مجتمع رجالي ينظر إلى المرأة كمخلوق أقل من الرجل؟ هؤلاء الصحفيون لم يروا من المرأة الهندية إلا هؤلاء القلة ممن تعلمن في المعاهد والجامعات في أوروبا وأمريكا وأثرت فيهن ثقافة الطبقة المتوسطة في هذه البلاد الغربية.
لكن المتعمق قليلا في حياة المرأة الهندية يدرك أن النساء الهنديات بصفة عامة يتمتعن بقدر أكبر من الاحترام والمساواة من النساء في بلاد أخرى كثيرة.
وقد تحيرت في أسباب ذلك الارتفاع لمكانة المرأة الهندية وبالذات في جنوب الهند في تلك الولايات، مثل ولاية كيرالا التي كانت بمنأى عن هجمات المستعمرين ولم تغزها ثقافة الغرب الرأسمالية الأبوية القائمة على استغلال المرأة. إن ولاية «كيرالا» تتميز بارتفاع في نسبة المتعلمين وتطور الصناعة ورقي الثقافة وارتفاع مكانة المرأة وانتشار الأسر الأموية.
وقد وجدت أيضا أن أحد أسباب ارتفاع مكانة المرأة الهندية سياسيا واجتماعيا هو أن الديانة الهندوكية في أصلها لا تفرق كثيرا بين الرجل والمرأة، وأن الآلهة في هذه الديانة ليسوا ذكورا فحسب، ولكن هناك الإلهات الإناث، وكم من هنود يركعون أمام الإلهة «برافاتي» أو الإلهة «لاكشمي» وغيرها الكثيرات.
عشت في الهند بضعة شهور أتجول بين ولاياتها الشاسعة المتباينة، أزور المعابد والمزارع والمصانع والجامعات، وألتقي في كل ولاية بعدد من الأدباء والأديبات وقيادات مختلفة لأحزاب متعددة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ودفعتني هذه الجولات وهذه اللقاءات إلى أن أقرأ عن تاريخ الهند وأديانها، وبعض الروايات الهندية والقصص والشعر. كنت كلما ازددت معرفة بالهند كلما أدركت صعوبة الإلمام بما فيها من تراث متشعب وثقافات متعدة وتيارات وتناقضات لا حد لها، هناك أشياء كثيرة مشتركة بين مصر والهند، وكم من أحيان نسيت فيها أنني في بلد غريب خاصة في تجولاتي بين الآثار الإسلامية التي تشكل أهم وأبرز حضارة في تاريخ الهند (حكم المسلمون الهند ثلاثة قرون ونصفا من 1500-1850)، لكن الاستعمار الإنجليزي للهند الذي استمر حوالي القرنين ترك بعض بصماته على الشخصية الهندية أكثر مما تركها على الشخصية المصرية . كثيرا ما يصادفك ذلك الرجل الهندي الذي يعيش على الطريقة الإنجليزية، فإذا به يضع «البايب» في زاوية فمه، ويتكلم الإنجليزية من أنفه، ويرتدي البالطو الإنجليزي في عز الحر، ويشرب شاي الساعة الخامسة والدنيا ملتهبة كجهنم، وأيضا هناك كلبه الذي يأخذه كل صباح للتريض.
لكن هناك أيضا الشخصية الهندية التي وعت فلسفة غاندي ونهرو ناضلت من أجل الاستقلال وعايشت استقلال الهند منذ سبعة وعشرين عاما. إن متابعة الجرائد اليومية في الهند متعة. يشعر المرء أنه في بلد ديمقراطي رغم المشاكل العديدة التي لا تزال تواجهها حكومة أنديرا غاندي، إلا أن ما حدث في الهند من تقدم منذ استقلالها حتى اليوم ينبئ بأن هذا العملاق الآسيوي قد هب من رقاده، وأن قوته الجديدة المتزايدة مع قوة العملاق الآسيوي الآخر «الصين» قد أصبحتا مثار قلق شديد في العالم الأوروبي والأمريكي. هذا العالم الذي أطلق على نفسه «العالم الأول» إيمانا بسيادته، وأطلق على بلاد آسيا وأفريقيا اسم «العالم الثالث».
لكن التاريخ يتغير على الدوام، وكم من إمبراطوريات عظيمة تهاوت وحلت مكانها بلاد أخرى، هل يعيد التاريخ نفسه ويصعد العالم الثالث إلى فوق وتتهاوى إمبراطورية العالم الأول؟ هناك من يتنبأ بذلك من علماء الغرب، ولعل هذا هو سبب ذلك الذعر الذي أصبح يعم بلاد العالم الأول، وهو السبب أيضا في أن بلاد العالم الثالث أصبحت تتجمع وتتآزر معا في مواجهة أطماع العالم الأول. •••
في ليلة مظلمة بغير قمر وقفت في خشوع أمام الإله «فيشنو» في حوض نهر «جانداك»، صورته ليست صورة إنسان مثل الإله «شيفا»، أو نصف إنسان ونصف فيل كالإله «جانيش»، ولكنه تجسد على شكل ثمرة تشبه الموز والرأس كعضو الذكر يشبه الزهرة المتفتحة المتأهبة للإخصاب.
অজানা পৃষ্ঠা