قلت: وهل تعملون حفلا للزواج؟
قال: نعم، وقد عملوا حفل زواجي الساعة الرابعة صباحا.
قلت في دهشة: الرابعة صباحا؟ لماذا؟
قال: موعد حفل الزواج يتحدد حسب نجم العريس وقد حدد نجمي الساعة الرابعة صباحا.
وهكذا كلما كنت أتحدث مع هذا الشاب الهندي أكتشف عادة هندية غريبة. وقد حكى حكايات غريبة عن مسألة تناسخ الأرواح التي يؤمن بها إيمانا عميقا مثل غيره من الهنود الذين يدينون بالدين الهندوكي، وفكرة التناسخ هي أن روح الإنسان بعد الوفاة تتجسد في جسد آخر قد يكون إنسانا وقد يكون حيوانا. وقد ظل هذا الشاب يحكي لي الحكايات الغريبة حتى وصلنا إلى قرية «قالود» حيث التقيت بإحدى القبائل الهندية.
ذكرتني هذه القبيلة بقراءاتي في التاريخ القديم للإنسان منذ العصر الحجري، رأيت تحت شجرة قطعة طوب يرقصون حولها، وعرفت أن قطعة الطوب هذه هي الإله، يرتدون قطعة قماش بيضاء حول نصفهم الأسفل ويحملون الحراب والأسهم وأحيانا البنادق. إنهم لا يتبعون أي نظام ولا أي حاكم، ولا يؤمنون بالغد ولا الاستقرار ويقدسون شيئا اسمه الحرية، كل واحد منهم يعتقد أنه الملك وليس لأحد سلطان عليه، إذا وثقوا فيك أكرموك وأعطوك كل ما عندهم، إذا لم يثقوا فالويل لك.
كان من حسن حظي أنهم حين نظروا في وجهي وثقوا في ورأيتهم يقدمون لي طعامهم (طعاما نباتيا من الخضروات لأنهم لا يأكلون اللحوم)، وأكلت معهم، وشربت الماء من بئر يشربون منه، وغمس أحدهم أصبعه في سائل أحمر مقدس ورسم فوق جبهتي النقطة الحمراء، وهمس الشاب في أذني حتى لا يسمعه أحد من القبيلة: لو رأى المسلمون هذه النقطة الحمراء فوق جبهتك لغضبوا جدا؛ إنها ضد تقاليد المسلمين هنا.
أفراد هذه القبيلة من الرجال والنساء يعملون في قطع الأشجار، بيوتهم من طين وسقفها من فروع الشجر، يرتدون فوق رءوسهم عمامة ضخمة ليست إلا حبلا طويلا ملفوفا فوق الرأس عدة مرات، يفكه الواحد منهم أمام البئر ليربط فيه الجردل ويدليه في البئر. تقاليدهم تختلف عن تقاليد الناس في المدن، الرجل والمرأة هنا متساويان في الحرية الجنسية قبل الزواج، والبنت تشجع الولد تماما لعمل علاقات قبل الزواج. ولكن بعد الزواج تتزوج المرأة رجلا واحدا ويتزوج الرجل امرأة واحدة. والرجال والنساء يتزينون بحلقات الحديد فوق جباههم وأنوفهم وآذانهم وأرجلهم، لهم دقة مميزة على الطبول تنقلب إلى عالم آخر، كأنما مت وعاد التاريخ وبعثت في أحد العصور البدائية. رغم فقرهم وجهلهم أحسست الشهامة والصدق والطبيعة في وجوههم المباشرة وعيونهم الصريحة، شعرت بينهم براحة رغم أنني كنت أجلس فوق قطعة من الطوب وأشرب الماء من بئر. إنها الراحة التي تشعر بها مع هؤلاء الناس النادرين الذين لا يزيفون ولا يكذبون. •••
عربة الجيب تعود بنا إلى المدينة، الشمس تهبط في الغرب من وراء الأشجار، على جانبي الطريق أرى أشجار الموز وحقول المسطردة ذات الزهور الصفراء، وحقول قصب السكر، والقمح وزيت الخروع، في السماء تحلق الغربان والحمام والعصافير، بين الأشجار الكثيفة ألمح السحالي والثعالب الصغيرة والقرود بعضها يجري ويلعب والبعض جالس فوق الشجر يرمق الطريق بعيون شاردة متأملة كعيون البشر.
الأم القردة، من حولها أطفالها يلعبون وهي تسير بخطوات بطيئة كالرجل العجوز الوقور، القردة الصغار يضربون بعضهم البعض ويلعبون معا تماما كأطفالنا، نظرت إلى القردة الأم واكتشفت أنها تراقبني، حركاتها إنسانية وصوتها أيضا إنساني، نشأ بيني وبينها ترابط، وأوقفت العربة، أردت أن أكلمها وهي جالسة تضع مرفقها فوق ركبتها، عيناها إنسانيتان لولا تلك النظرة المفاجئة الوحشية والمجنونة، كأنما لم تعد تثق في وتريد الانقضاض علي بسرعة. حينما رأت أنني لن أسبب لها أذى وأنني أقترب منها لمجرد الفرجة استرخى جسدها وتلاشت النظرة المتحفزة، ثم أعطتني ظهرها وسارت بخطواتها البطيئة نحو أطفالها.
অজানা পৃষ্ঠা