* المقدمة
** 1 سبب الترجمة :
أقدمنا على ترجمة ما ورد عن العراق في «رحلة تافرنييه» ونحن على يقين من فراغ الخزانة العربية من مصادر وافية بتاريخ العراق في أدواره المختلفة ، وخصوصا ما كان يتعلق منها بأخبار هذه البلاد في العصور الأخيرة ، كالعصر الذي زار فيه تافرنييه بلاد العراق ، ووصف أحوالها بما يراه القارئ في تضاعيف هذا الكتاب.
** 2 النسخة التي استندنا إليها :
دون تافرنييه حديث رحلاته باللغة الفرنسية. وقد طبعت مدوناته سنة 1676 م ، ثم جدد طبعها سنة 1713 م.
وهذه الرحلة نقلت بكاملها إلى الإنكليزية ، وطبعت في لندن سنة 1678 م.
ولقد كان اعتمادنا في نقل كتابنا ، على هذه الترجمة الإنكليزية في بادئ الأمر ، ثم راجعنا الترجمة على الأصل الفرنسي بطبعته المجددة.
** 3 ماذا أخذنا ، وماذا تركنا من الرحلة؟
قل بين الرحالين الأقدمين من أبناء الغرب ، من جاب أصقاع الأرض بنطاق واسع ، كالذي فعله تافرنييه في رحلاته الست التي زار فيها أغلب الأقطار الأوروبية ، وشاهد أيضا بلاد الشرقين الأدنى والأوسط ، بل بلغ به المطاف إلى جزر الهند الشرقية ووصل بلاد اليابان ، ووصف كل ما مر به بما أتيح له.
পৃষ্ঠা ৫
ولما كانت غايتنا خدمة بلادنا العراقية ، عمدنا إلى ما كتبه هذا الرحالة عن العراق ، فنقلناه كاملا إلى العربية ، دون ما تغيير أو تحوير. بل تجاوزنا هذا الحد في بعض الاحيان ، لاعتقادنا أن الموضوع لا يستقيم إلا بوصل أوله بآخره. من ذلك أننا عندما نقلنا كلام المؤلف في وصف الطريق بين حلب وأصفهان مثلا ، اضطررنا إلى أن نساير المؤلف في خطواته من مدينة حلب حتى بلوغه مدينة اصفهان ، أي أننا نقلنا جانبا من وصف المؤلف لشطر من بلاد سورية وشطر من بلاد إيران. ولو لم نفعل ذلك لجاء وصفه للبلاد العراقية التي مر بها مبتورا ناقصا.
وتمسكا بالأصل ، فقد احتفظنا بعناوين فصول الرحلة وأرقامها فيرى القارئ ، أن أول بحث في هذا الكتاب عنوانه «الفصل الثالث من الكتاب الثاني من الرحلة» لأن ما قبل ذلك لا يدخل في نطاق بحثنا المتعلق بالعراق.
** 4 طريقة المؤلف في التدوين :
والمؤلف ، في حديث رحلاته ، يكاد يتبع أسلوب «اليوميات» ، فهو يدون ما يريد تدوينه بحسب تعاقب زيارته للمواطن التي يتكلم عليها. ولقد وجدناه في غير مكان من رحلته يعيد ما سبق أن قاله فأبقينا على ذلك كله محافظة على الأصل.
** 5 تعليقاتنا :
بعد أن فرغنا من نقل كلام المؤلف ، وجدنا فيه أمورا عديدة تفتقر إلى تعليقات تنير السبيل للقارئ في معرفة ما يطالعه بالوجه الصحيح. وفي الواقع إن بين أقوال المؤلف وهو غريب عن هذه الديار ما يعتريه الوهم أو الغموض أو الالتباس. فرأينا في السكوت على ذلك تقصيرا. لذلك عمدنا إلى تقويم أود ذلك بالتعليقات : نفسر هذا ، ونوضح ذاك ، ونتسع في الآخر ، حتى قام من مجموع تعليقاتنا مواد كثيرة ، أغنت مادة الكتاب ، ورفعت من مستواه التاريخي.
পৃষ্ঠা ৬
وقد وجدنا بعض التعليقات طويلا ، لا تتسع لها حواشي الصحائف ، ففصلناها وجعلناها «ملاحق» متسلسلة أدرجناها بآخر الكتاب.
** 6 تصحيف الأعلام في الأصل :
ولا نريد ان نختم كلمتنا هذه دون الاشارة إلى أمر ذي بال جابهنا أثناء النقل ، ذلك أن المؤلف ، في إيراده أسماء الأمكنة ، كثيرا ما يذكرها بصورة مصحفة أو مغلوطة. فكان ذلك من المشاكل العسيرة التي حاولنا تذليلها جهد المستطاع.
إن مثل هذه الأسماء ، أوردناها بحروفها الفرنجية ليرى القارئ مبلغ ابتعادها عن التسمية المعروفة بها.
والأمثلة على ذلك عديدة ، نذكر منها : Odoine وهو يريد به النهر «العظيم». و Dar al sani يريد بها «دار السلام» و Conaguy وهو يقصد «خانقين» ، و Casered ومراده بها «قزلرباط» ، إلى كثير غيرها.
ولنا أن نقول ، إن بعضا من الأسماء ، لم نتمكن مع الأسف من التوصل إلى حقيقة أمره ، فأبقينا اسمه بالافرنجية كما ورد في الرحلة ذاتها ، وجعلنا مكان اسمه بالعربية خاليا ، إذ لعل هناك من يستطيع ان يجد اسمه الحقيقي.
** 7 الفهارس :
وقد لا حظنا ، بعد انتهاء عملنا من الكتاب ، أن لا غنى عن وضع «فهارس» محكمة مفصلة تيسر الرجوع إلى النص ، وترشد المطالع إلى مواطن ما يرغب فيه. فكان من ذلك هذه الفهارس المختلفة التي يجدها القارئ في آخر الكتاب.
** 8 كلمة شكر :
ولا بد لنا ، أن نتقدم بالشكر إلى كل من آزرنا من الباحثين الأفاضل في تحقيق عملنا بالوجه الأكمل ، وقد أشرنا إلى اسم كل منهم في موطنه من الكتاب.
كوركيس عواد / بشير فرنسيس
পৃষ্ঠা ৭
* جان بابتيست تافرنييه
* JEAN BAPTISTE TAVERNIER
* (1605 1689 م)
روى تافرنييه عن نفسه ، في مقدمة كتابه «الرحلات الست» ، قائلا :
«لو جاز لي أن أعد أثر التربية ولادة ثانية ، لقلت واثقا بأني جئت إلى هذا العالم وفي رغبة في الأسفار. فالمحاورات اليومية التي كانت تدور بين طائفة من العلماء ووالدي في المواضيع الجغرافية التي كان له فيها القدح المعلى ، كنت أصغي إليها بكليتي بالرغم من حداثة سني. فحثت في الشوق لمشاهدة بعض هاتيك الأقطار التي كانت تمثل أمامي بخرائط لم يكن يهون علي رفع نظري عنها. وهكذا ما إن بلغت الثانية والعشرين من عمري ، حتى كنت زرت أجمل بقاع أوروبا : فقد شاهدت فرنسا وإنكلترا والبلاد المنخفضة وألمانيا وسويسرا وبولندا والمجر وإيطاليا. وصرت أتكلم بأكثر اللغات لزوما وذيوعا.
«وكانت في طليعة البلاد التي قصدتها إنكلترا ، في عهد الملك جيمس. ومنها عبرت إلى بلاد الفلندرز ، لأرى انتورب (أنفرس) موطن والدي الأصلي. ومنها ذهبت إلى البلاد المنخفضة وهناك ازداد ميلي إلى الأسفار نموا وقوة لما كان يحتشد في تلك الأرجاء من الغرباء الذين لقيتهم في أمستردام ، وكانوا قد أتوها من كل حدب وصوب».
***
ولد جان بابتيست تافرنييه في باريس سنة 1605 م. وكان أبوه كبرييل قد هاجر إليها من انتورب مع عمه في نهاية القرن السادس عشر ، وكان كبرييل هذا من مشاهير الجغرافيين والنقاشين.
পৃষ্ঠা ৯
وكان جان في الخامسة عشرة من عمره ، قد رحل إلى جهات أوروبا الغربية ، وخدم أهم حكام أوروبا ودخل قصورهم. وحارب الترك لما وصلوا حدود بولند. وكان في إحدى سفراته الأوروبية تعرف براهبين فرنسيين وهما دي شاب ( M. De chapes ) ودي سان ليباو ( M. De St Liebau ) كانا يقصدان السفر إلى القسطنطينية ومنها إلى فلسطين. فاقترحا عليه مرافقتهما ، فلقي الاقتراح هوى من نفسه. وتوجهوا جميعا إلى تلك البلدان. وقضوا ذلك الشتاء في القسطنطينية. وانفصل تافرنييه عن الراهبين اللذين تابعا سفرهما إلى فلسطين ، فمكث هناك أحد عشر شهرا ، ثم التحق بقافلة وذهب إلى طوقات وارضروم واريفان ودخل بلاد فارس ، وبلغ في رحلته الأولى هذه اصفهان. ثم قفل راجعا بطريق بغداد فحلب والإسكندرونة ، فمالطة وإيطاليا حتى بلغ باريس سنة 1633 م.
وفي أيلول سنة 1638 م شرع برحلته الثانية التي دامت حتى سنة 1642 م. فسافر بطريق حلب إلى فارس ، ومنها إلى الهند حتى أغرا ( Agra )، وتوغل في أصقاع الهند حتى بلدة غلكندة. وفي الهند زار بلاط كبير المغول ، وشاهد مناجم الماس التي لم يرها أوروبي من قبله. فساقه ذلك إلى الاتجار مع هذه البلاد ، خاصة الجواهر الكريمة وغيرها من المواد النفيسة التي تعاطاها مع أعاظم أمراء الشرق.
وأعقبت هاتين الرحلتين ، أربع رحلات أخرى. ففي رحلته الثالثة (1643 1649 م) وصل في مسيره جزيرة جاوة ، وعاد من طريق رأس الرجاء الصالح.
ودامت رحلته الرابعة من سنة 1652 إلى 1656 م.
والخامسة من 1657 إلى 1662 م.
والسادسة من 1663 إلى 1668 م.
وقد زار تافرنييه في هذه الرحلات الواسعة النطاق ، ممالك آسيا الجنوبية ، وجزر الهند الشرقية ، واليابان ، وجنوبي إفريقيا وعاد من رحلته الأخيرة وقد أصبح في عداد الأغنياء. وكان قد دار في خلده في وقت ما من
পৃষ্ঠা ১০
سنة 1648 تأسيس شركة للاتجار مع الشرق.
وفي سنة 1669 م. منحه لويس الرابع عشر ، لقب «نبيل». واشترى في سنة 1670 م بارونية اوبون ( Aubone ) بالقرب من جنيف في سويسرا. ولكنه عاد وانهمك ثانية في الأعمال التجارية.
ومهما يكن من أمر ، فإن أواخر سني حياته غامضة. فقد ترك باريس إلى سويسرا في سنة 1687 م. وفي سنة 1689 م عبر إلى كوبنهاغن قاصدا بلاد فارس عن طريق روسيا ، غير أنه وافاه الأجل المحتوم في تلك السنة وهو في موسكو.
وخلاصة القول ، أن تافرنييه عاش أربعا وثمانين سنة ، قضى منها في أسفاره العديدة زهاء ست وأربعين سنة. وقل بين الرحالين من دامت رحلاته مثل هذا الأمد الطويل.
***
والذي خلد ذكر تافرنييه ، هو تآليفه في وصف رحلاته الكثيرة في مختلف الأصقاع. وقد أفرغ تافرنييه وصف بعض رحلاته في كتاب عنوانه :
Nouvelle Relation de Linterieur du Serail du Grand Seigneur .
وقد طبع في باريس سنة 1675 م. ثم جدد طبعه سنة 1713 م. وهذا الكتاب يستند إلى زيارتين للقسطنطينية في رحلته الأولى ورحلته السادسة.
وأشهر من ذلك حديث رحلاته الست ، وعنوانه :
Les Six Voyages de j. B, Tavernier
وقد طبع في باريس سنة 1676 م بمجلدين. ثم أعيد طبعه سنة 1713 م.
وقد نقل هذه الرحلات جميعا ، ج. فيليبس ( j. Phillips ) إلى الإنكليزية وطبعها في لندن سنة 1678 بعنوان :
east indies. the six voyages of j. b. tavernier through turky into persia and the
وقد ظهرت ، سنة 1889 ترجمة إنكليزية بقلم ( V. Ball ) لرحلات تافرنييه في بلدان الهند.
পৃষ্ঠা ১১
ونقل كمبل طمسن رحلات تافرنييه في بلاد ما بين النهرين وطبعها بعنوان :
R. Camphell Thompson : Tavernier`s travels in Mesopotamia (London, 0191 )
ونقل نظم الدولة أبو تراب نوري ، رحلة تافرنييه بكاملها إلى الفارسية ، وطبعها في طهران سنة 1331 ه في 1035 صفحة وقد أطلعنا على نسخة منها الأستاذ عباس العزاوي.
المراجع عن ترجمة حياته :
The Six Voyages of J. B. Tavernier (London 8761). charles joret : jean baptiste tavernier d`apres des Documents
.
nouveaux (6881) larousse du xxe siecle) art. tavernier (.
. encyclopaedia britannica (art. tavernier )
পৃষ্ঠা ১২
* الفصل الثالث
* (من الكتاب الثاني من الرحلة)
* الكلام على الطرق العديدة من حلب الى اصفهان بوجه عام
* وطريق البادية بوجه خاص
بين حلب وأصفهان ، تمتد خمسة طرق عامة غير الطريقين الآخرين اللذين وصفتهما سابقا ، وهما الماران بالأناضول (1)، فتكون الطرق المؤدية إلى بلاد فارس سبعة ، تتشعب من القسطنطينية وأزمير أو حلب.
وأول الطرق الخمسة ، البادئة من حلب ، يقع في يسار المتجه إلى الشمال الشرقي ، مارا بديار بكر وتبريز.
وثانيها : الطريق الذي يتجه إلى الشرق رأسا بمحاذاة بلاد ما بين النهرين ، مارا بالموصل وهمذان.
والثالث : إلى يمين الذاهب إلى الجنوب الشرقي ، مارا ببغداد وكنكور ( Kengavar ).
والرابع : هو أكثر الطرق الخمسة اتجاها نحو الجنوب ، يجتاز بادية صغيرة ويمر بعانة وبغداد والبصرة.
والطريق الخامس : يخترق البادية الكبيرة ، وهو لا يسلك دائما ، بل يطرق مرة واحدة في السنة عندما يقطعه تجار تركيا ومصر لشراء الإبل.
وسأسعى إلى وصف كل من هذه الطرق في فصول مختلفة. وأول ما أبدأ به منها ما كان يقطع البادية الكبرى.
পৃষ্ঠা ১৩
إن القوافل التي تقصد البصرة سالكة هذا الطريق ، لا تتحرك حتى موسم هطول الأمطار ، لئلا يعوزها الماء وهي في قفر البادية. ويندر أن يمسك المطر حتى كانون الأول من كل سنة. إن القافلة التي رافقتها ، تحركت في يوم عيد الميلاد ، وكانت تتألف من أربعمائة رجل بين سادة وخدم ، ونحو ستمائة بعير. وكان الكروان باشي (1) وحده ممتطيا صهوة فرسه ، متقدما القافلة لارتياد أماكن المياه واختيار الأماكن الصالحة للمبيت.
أما أنا فأعترف بأنني أرحت نفسي بركوب حصاني الذي احتفظت به طوال إقامتي في حلب. ولا يخفى أن حرية الاحتفاظ بالخيل لا يسمح بها للافرنج إلا في القسطنطينية وإزمير وحلب. أما في دمشق وصيدا والقاهرة ، فلا يجيزون ذلك لغير القناصل. ولسائر الناس امتلاك أو استكراء الحمير دون غيرها. وهي تتيسر في الدروب العامة دائما.
وفي اليوم الثاني ، رحلنا فجرا ، وعند الظهر بلغنا مكانا فيه خمس آبار ، بين البئر والأخرى خمسمائة خطوة ، وماؤها عذب جدا ، فملأنا قربنا منها ، وفي نحو الساعة الرابعة من بعد الظهر نزلنا في بقعة لا ماء فيها.
وفي اليوم الذي يليه ، صادفنا قبيل الظهر بئرين كان ماؤهما مجا لم يشربه غير الجمال. وعندهما بتنا ليلتنا أيضا.
لقد مر على سفرنا الآن يومان في البادية ، التي سأصفها وصفا موجزا : إنك بعد أن تبتعد فرسخين (2) أو ثلاثة فراسخ من حلب تدخل البادية فلا يقع نظرك على غير الخيم المنصوبة بدلا من المساكن المشيدة. وتمتد هذه البادية
পৃষ্ঠা ১৫
صوب الجنوب الشرقي ، بمحاذاة الفرات حتى تبلغ البصرة وساحل خليج فارس ، ثم تنتهي جنوبا بسلسلة الجبال الحاجزة بين البلاد العربية الصخرية ( Arabia Petrea ) وبلاد العرب السعيدة. وتكاد تكون هذه البوادي خالية من كل شيء إلا من الرمال. والأرض في بعض الأماكن أهش مما في أخرى ، بحيث يصعب السير فيها إلا عقب سقوط الأمطار التي تصلب تلك الرمال وتكتلها. ويندر أن تمر في هذه البوادي بتل أو بواد. فإن صادفت شيئا منها كان ذلك دليلا على وجود الماء هناك وبعض الأحطاب التي تفي بالطبخ ، وذلك لتعذر وجود الخشب في أنحاء البادية. وغاية ما يطاق حمله في حلب على ظهور الجمال من حطب وفحم ينفد في نحو ثمانية أو عشرة أيام. ولهذا لا ترى بين الستمائة بعير التي تخترق البادية أكثر من خمسين محملة بالبضائع المؤلفة من الأقمشة الخشنة وقليل من المواد الحديدية ، وبالأخص نسيج قالقوط الأسود والأزرق (1) الذي يستعمله العرب دون تقصيره (2). وأما سائر الجمال فتحمل من الطعام ما يكفي هذا الحشد من المسافرين طوال أيام سفرهم العديدة في مثل هذه البلاقع المترامية الأطراف.
في الخمسة عشر يوما الأولى من سفرنا ، لم نر الماء إلا مرة في كل يومين ، وأحيانا في كل ثلاثة أيام. وفي اليوم العشرين بعد خروجنا من حلب ، نزلت القافلة مكانا فيه بئران ماؤهما طيب جدا. وقد كان كل منا مبتهجا إذ أتيح له غسل ملاحفه ، وقد رأى الكروان باشي أن نمكث هنا يومين أو ثلاثة أيام ، بيد أن الأخبار التي وردتنا أدت إلى الرجوع عما رأى. وذلك أننا ما كدنا
পৃষ্ঠা ১৬
نتناول عشاءنا ، حتى رأينا ساعيا معه ثلاثة أعراب راكبين كلهم بغالا أرسلوا يحملون الأخبار إلى حلب وغيرها من مدن الامبراطورية بالاستيلاء على بغداد. فوقفوا عند البئرين لإرواء دوابهم. فتقدم إليهم الكروان باشي وغيره من الرجال البارزين في القافلة ببعض الفواكه المجففة والرمان. وقد أفادنا هؤلاء السعاة بأن الجمال التي حملت بأمتعة السلطان وحاشيته قد نالها التعب.
ومن المؤكد أن ضباطه سيضعون أيديهم على جمالنا إذا ما التقوا بنا ، ونصحونا بألا ندنو من عانة ، وإلا أوقفنا أميرها. وبناء على ما أبلغونا به ، تحركنا في الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل ، وظللنا متجهين جنوبا ، حتى صرنا في وسط البادية. وبعد ثمانية أيام ، حللنا في بقعة ذات ثلاث آبار وثلاثة أو أربعة بيوت. فمكثنا هناك يومين كاملين للتمتع بهذا المنهل العذب. وما كدنا نأخذ طريقنا ثانية ، حتى جاءنا ثلاثون فارسا مسلحا قادمين من لدن أحد الأمراء ليبلغوا الكروان باشي بوجوب إيقاف قافلته. فلبثنا عند ذاك أياما ثلاثة منتظرين قدوم هذا الأمير بفارغ الصبر. فلما حل بيننا ، أهدى إليه الكروان باشي قطعة حريرية ، ونصف قطعة من قماش قرمزي ، وقدرين كبيرتين من النحاس. ولكن مع أن هذه القدور مما لا يمكن أن يرفضها أمير عربي ، لخلو مطبخه من مثيلها ، لم تبد على محياه علائم الرضا بهذه الهدية ، بل طلب منا ما يزيد على أربعمائة كراون (1). لقد جهدنا سبعة أو ثمانية أيام متمسكين بنقودنا. ولكن عبثا كان ذلك ، فإننا اضطررنا أخيرا إلى جمع هذا المبلغ بتقسيطه بيننا ، كل بما في طاقته ، فلما دفع إليه ، قدم للكروان باشي الپلاو (2) والعسل والتمر. وعند مبارحته المكان أعطى القافلة خمس أو ست أغنام مطبوخة.
وبعد أن فارقنا هذا الأمير العربي بثلاثة ايام ، مررنا ببئرين ، كان بالقرب
পৃষ্ঠা ১৭
منهما أبنية قديمة منهارة من الآجر. لقد كان ماء هاتين البئرين شديد المرارة حتى أن الجمال عافته ، ومع ذلك ملأنا قربنا منه ، ظانين أننا سنزيل عنه مرارته بغليه. ولكن خاب تقديرنا لأن الأمر كان على العكس من ذلك.
ومن هاتين البئرين اللتين لا يرجى من مائهما خير ، تمادى بنا السير ستة أيام دون أن نلقي بماء. فإذا أضفنا إلى ذلك الأيام الثلاثة السابقة ، كان مجموع ما مر على الجمال من الأيام التي لم تذق خلالها الماء تسعة. وفي نهاية هذه الأيام التسعة سرنا في أرض كثيرة التلال امتدادها ثلاثة فراسخ. وعند حضيض هذه التلال رأينا ثلاث برك ولما كانت الجمال تتنسم رائحة الماء من مسافة نصف فرسخ ، أخذت تسارع في سيرها إليها. وما إن انتهت إلى البرك حتى تزاحمت عليها وتدافعت ، فتكدر الماء من جراء ذلك وتلوث. ولهذا قر رأي الكروان باشي على المكوث في هذا الموطن يومين أو ثلاثة أيام ، ريثما يصفو الماء. وقد انتهزنا تلك الفرصة لطبخ الرز لأن هناك أحراشا كثيرة نامية حول البرك. وزاد في ابتهاج الناس هناك ان الفرصة واتتهم لصنع الخبز ، وقد رأيتهم يخبزونه بالوجه التالي : يحفرون أولا حفرة مستديرة في الأرض ، عمقها نصف قدم ، ومحيطها قدمان أو ثلاث ، ويملأونها بالحطب ، ثم يوقدون هذا الحطب ويغطون الحفرة بالطابوق أو الأحجار ، إلى أن تحمر ، وكانوا حينذاك يحضرون العجين فوق سفرة وهي عبارة عن قطعة مستديرة من النحاس ، يتخذون منها في سائر الأوقات مائدة للطعام. ثم يرفعون الرماد والطابوق وبعد أن ينظفوا الحفرة جيدا يضعون عجينهم فيها ، ثم يغطون الحفرة ثانية بالطابوق أو الأحجار الحارة ، ويدعونها على هذه الحال حتى الصباح. إن الخبز الذي يخبز بهذا الوجه ، لا يزيد ثخنه على أصبعين وكبره بقدر الكعك العادي ، وهو إلى ذلك لذيذ الطعم جدا.
وفي أثناء مكوث القافلة عند البرك الثلاث ، قضيت أوقاتي بصيد الأرانب والحجلان التي تكثر في هذه البقاع. وفي الليلة التي سبقت مغادرتنا المكان ، ملأنا قربنا ثانية ، وكان الماء قد صفا وطاب وهذا الماء يتجمع من الأمطار التي تهطل على هذه المنخفضات. ولكنه يجف في فصل الصيف.
পৃষ্ঠা ১৮
والآن بعد ما رأى الكروان باشي أننا سرنا تسعة أيام دون أن نجد في أثنائها ماء ، رغب عن السفر جنوبا ، وصمم على أن يأخذ طريقه نحو الغرب ، فإن لم يصادف ماء في خلال يومين أو ثلاثة ، فإنه يغير طريقه لا محالة إلى الشمال الشرقي أي الشرق الشتائي ، رغبة منه في الوصول إلى نهر الفرات.
وبعد يومين من تغييرنا الطريق ، اجتزنا واديا بين تلين صغيرين ، صادفنا فيه بركة ماء ، كان على مقربة منها أعرابيان مع كل منهما امرأته وأطفاله ، وهما يرعيان قطيعين من الماعز والغنم ، وأخبرانا أنهما ذاهبان إلى الموصل. وقد أرشدانا إلى أحسن السبل التي تتوفر فيها المياه. وفي الواقع ، إننا من ذلك المكان حتى البصرة ، لم نكن نسير ثلاثة أيام حتى نجد ما يكفينا من الماء.
وبعد خمسة أيام من تركنا هذين الأعرابيين ، اكتشفنا قصرا كبيرا مشيدا كله بالآجر (1). وفي هذا احتمال على أن البقعة كانت تزرع في الماضي وأن الآجر قد حرق بالتبن. إن في هذا القصر ثلاث رحاب واسعة ، في كل منها أبنية لطيفة ذات طابقين من الأقواس الواحد يعلو الآخر. ومع أن هذه البناية كانت لا تزال قائمة ، فإننا لم نجد من يسكن فيها. هذا وإن الأعراب الذين يجهلون الآثار القديمة لم يكن بوسعهم أن يخبرونا عمن بناها. وأمام باب هذا القصر بركة لها قناة قاعها مرصوف بالطابوق وكذلك عقاداتها التي تستوي والأرض. ويعتقد الأعراب أن هذه القناة كانت تأتي بالماء من الفرات ، ولكن هذا بعيد الاحتمال بالنظر إلى أن الفرات يبعد عن هذه البقعة نيفا وعشرين فرسخا.
ومن ذلك القصر ، واصلنا سيرنا نحو الشمال الشرقي. وبعد أن تمادى بنا السير خمسة أيام انتهينا إلى بلدة صغيرة كانت تدعى سابقا الكوفة والآن تعرف بمشهد علي (2). حيث إن عليا صهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم يرقد هناك في جامع فسيح. ويرى حول الضريح أربعة شمعدانات مضاءة ، وقناديل فوق الرأس مدلاة من السقف.
পৃষ্ঠা ১৯
ومع أن الفرس يكرمون عليا تكريما بالغا ، فهم قلما يحجون إلى ضريحه ، والسبب في ذلك هو أن الطريق التي يسلكونها قاصدين زيارة الضريح ، لا بد أن تمر ببغداد ، وهي تحت حكم السلطان العثماني. وعلى كل حاج حينذاك أن يدفع رسما قدره ثمانية قروش ، وهو أمر لم يكن ملك فارس ليرتاح إليه. إن الشاه عباس (1) كان يرى من المهانة أن تدفع رعيته مالا إلى الترك ، فعمد إلى صرفهم عن هذه الزيارة بغيرها ، ذلك أنه عمر مزارا في «مشهد» على الطريق من تبريز إلى قندهار. ثم إن الملوك الذين خلفوه كانوا على غراره في عدم السماح لرعاياهم بزيارة الإمام علي ، إذ يعتبرون دفع الجزية للسلطان امتهانا لكرامتهم ، وهذا هو السبب في أن جامع الكوفة لم يعد يتقدم إليه الفرس بالنذور. وعدا عن القناديل والشمعدانات التي تضاء ليل نهار ، فإن فيه اثنين من القراء يتلوان القرآن. وليس في هذه البلدة غير ثلاث أو أربع آبار ذات ماء آسن ، وقناة جافة (2) يقولون إن الشاه عباس مدها ليجلب فيها ماء الفرات إلى البلدة لأجل الحجاج والزوار. أما الطعام فلم نجد منه في هذه البلدة غير التمر والعنب واللوز ، وهذه يبيعونها بأسعار عالية. وعندما يؤمها الزوار ، وقليل ما هم ، يوزع الشيخ عليهم عند احتياجهم إلى الطعام الرز المطبوخ بالماء والملح وشيء من الدهن يصب فوقه. ونظرا لعدم وجود مرعى للمواشي ، فلا يتوفر عندهم الطعام.
وعلى مسيرة يومين من مدينة علي ، التقينا في الساعة التاسعة صباحا ، بشابين من أسياد العرب ، يلقبان بسلطان ، وكانا أخوين ، أحدهما في سن السابعة عشرة ، والآخر في الثالثة عشرة. ولما نصبنا خيامنا نصبا خيامهما بجوارنا ، وكانت من قماش قرمزي لطيف جدا ، وكانت بين هذه الخيم خيمة مغطاة بالقطيفة الارجوانية ، حاشيتها موشاة بشريط حريري جميل. وما كاد السيدان يستقران في خيامهما حتى ذهبنا أنا والكروان باشي لرؤيتهما. ولما
পৃষ্ঠা ২০
علما أن بين رجال القافلة إفرنجا ، سألاني عما إذا كان لدينا شيء من الطرائف لنبيعها لهما. ولكنني لما أجبتهما بأن ليس هناك ما يستحق شراؤه لهما ، ارتابا في صحة قولي ، وأمرا الكروان باشي بأن يتحرى ما في حقائبنا بحضورهما وفي أثناء التحري ، كان أحد الرؤساء المرافقين للأميرين لا يدع أعرابيا يدنو منها. وقد كان في رفقتنا رسام شاب ، وجد في حقيبته طائفة من الصور ، بعضها يمثل مناظر أرضية ، وبعضها صور أناس ، وغيرها صور غوان مرسومة إلى الخصر. فاختار السيدان الشابان عشرين من صور الغواني لا غير. فأردت أن أهديها إليهما ، لكنهما أفهماني أنهما يعرفان كيف يدفعان عما أخذا ، وخاصة السيد الأصغر ، الذي كانت تبدو عليه أمارات الجود والكرم. فإنني أفرحته بما لا يمكن وصفه ، ذلك أن أسنانه كانت متسخة جدا ، فطلبت من الجراح الذي كان يرافقني طوال أيام السفر أن ينظفها له ، ففعل ذلك بوجه أرضى الأمير الشاب وأدخل السرور إلى نفسه. فكان منهما أن أرسلا إلي وإلى حاشيتي أحسن ما لديهما من طعام ، وأهدى الكروان باشي إليهما نصف قطعة من القماش القرمزي وقطعتين من القماش الموشى بالذهب والفضة. ولما تأهبنا للرحيل ، أعطاني السلطان الشاب اثنتي عشرة دوكاة ( Ducat) (1 ) قيمة الصور. وبعث إلى الكروان باشي وإلي بقوصرتين من التمر ، وكان أجود ما وقع إلينا منذ أن فارقنا حلب.
وحوالي منتصف الليل ، تحرك الأميران ، واتجها شمالا نحو الفرات. فتحركنا وراءهما متجهين شمالا إلى النهر نفسه. وبعد مسيرة أربعة أيام ، التقينا بأمير ذي نفوذ عظيم في بلاد العرب ، كان آتيا من الجنوب ومتجها إلى الشمال ، وعليه أن يجتاز الطريق الذي سكلناه. كان هذا الأمير في حدود
পৃষ্ঠা ২১
الخمسين من عمره ، حسن القوام ، لطيف المظهر ، ولم يكن معه أكثر من ألفي حصان. أما الثلاثون ألفا الأخرى التي سمعنا بها ، فقد عبرت منذ بضعة أيام. وكان وراء الألفي حصان خمسون جملا تحمل نساءه. وكانت كجاواتهن (1) مغطاة بقماش قرمزي ، موشاة حاشيته بالحرير. وفي وسط هذه الجمال ستة يكتنفها الخصيان ، وكانت سجف الكجاوات من الحرير والفضة والذهب. وقد سمحوا لنا بالسير معهم ، دون أن يطلبوا منا التراجع كما هي العادة في الجهات الأخرى من تركيا ، عندما يكون في القافلة نساء. وقد حطوا الرحال على بعد ربع فرسخ منا حيث أردنا النزول لوجود بركتين أو ثلاث هناك ، فحرمونا من مائها. إن هذا الأمير العربي ، يمتلك عددا كبيرا من أجمل الخيول المطهمة وأجودها ، وعنده غيرها مما هو غير مسرج ولا ملجم ، ومع ذلك فالراكبون يستطيعون توجيهها بعصا قصيرة إلى حيث شاءوا ، وإيقافها وهي في أسرع عدوها بمسك أعرافها. وعنده بعض الجياد ذات الأثمان الغالية.
ومما يجدر التنويه به أن هذه الجياد لم يرها أحد منا. ولما كان الكروان باشي يعتقد أنه لا يستطيع التخلص من مثل هذا الأمير العظيم بلا مقابل ، فإنه وجد عند تجار القافلة سرجا غاليا مع لجامه وركابه ، وقد صنعت من الفضة وجملت بها ، وكنانة مطرزة مملوءة سهاما ، وترسا ، وتبلغ قيمة الجميع نحوا من ألف ومائة ، أو ألف ومائتي ليرة. ثم أضاف إليها الكروان باشي من عنده قطعة من النسيج القرمزي ، وأربع قطع من نسيج الذهب والفضة ، وست قطع من نسيج الفضة والحرير ، وجعل من جميعها هدية للأمير. غير أن الأمير رفضها برمتها ، وطلب استبدال «الطويلات» (2) التي كانت معه ، بمائتي ألف قرش ، وهي لعمري مبادلة مجحفة بحق التجار ، فأثارت بينهم نزاعا شديدا. وبعد أخذ ورد ، ولإدراكنا أن بمقدور الأمير أن يعطل قافلتنا عن السير ويهلكنا جوعا ، أقدمنا على جمعها منا ، فجمعت ، ونال
পৃষ্ঠা ২২
الهدية التي ربما لم يكن بإمكانه أن ينالها بغير هذا الوجه. وفي خلال اليومين اللذين قضيناهما في وزن النقود ، كان الأمير يرسل الطعام إلى الكروان باشي. وعند رحيلنا بعث إلينا باثنتي عشرة قوصرة تمر ، وأربعة من صغار الإبل يسوى الواحد منها نحوا من أربعين كراونا.
وبعد يومين من سيرنا ، صادفنا شيخا يعتبر بين الأعراب حكما فيصلا ، كان قاصدا مكة ، وقد قطع شطرا من البلاد العربية السعيدة. وكان معه حاشية على عشرة أو اثني عشر جملا. فمكث طوال الليل معنا. وكان أحد خدمه أصيب قبل يومين بجراح خطيرة من بندقية ، فضمده جراحي وأعطاه مرهما ومطهرا. فشكرنا على ذلك غاية الشكر ، وأرسل إلي الغداء وهو عبارة عن صحن كبير من البلاو. وفي اليوم الثاني بعث إلينا بشاة مطبوخة. وأهداه الكروان باشي ذراعين من القماش القرمزي.
وبعد ذلك لم نمر في طريقنا بما يستحق الذكر. إلا أننا في اليوم التالي صادفنا أميرا آخر ، له من العمر نحو من خمس وعشرين سنة ، كان آتيا من الفرات ووجهته البلاد العربية السعيدة. وكان برفقته نحو خمسمائة حصان وثلاثمائة جمل تحمل نساءه. وقد أرسل يستعلم عما تكون قافلتنا؟ وعند ما علم أن فيها بضعة إفرنج ، أحدهم جراح ، أرسل ثانية إلى الكروان باشي يطلب إليه أن يتبعه بقافلته إلى المكان الذي أزمع أن ينصب خيامه فيه ، ولم يكن بعيدا عن الطريق. ولم نكن نظن أننا سنذهب قصيا في ذلك النهار. إلا أنه قادنا إلى أطيب بقاع البادية ، فنصبت خيمة الأمير ، واستدعى جراحي ، فرأيت أن أرافقه لأعلم ما يريده منه. فألفينا على ذراعه اليسرى قوباء (1) فيها قوبة خبيثة جدا ، بقدر قطعة كراون ، وهي تزول ثم تعاوده في أوقات معلومة من السنة. فسأل الجراح عما إذا كان يستطيع أن يشفيه منها. فأجاب الجراح بأن الشفاء ليس مستحيلا ، إن أمكن الحصول على العقاقير
পৃষ্ঠা ২৩
اللازمة. فهي إن وجدت شفاه بها شفاء تاما. فأراد الأمير أخذ الجراح معه ، وأعطى له خمسمائة كراون لشراء العقاقير. ولكنني أفهمته أن الدواء لا يكلف مثل هذا المبلغ ، وأن الجراح إذا عثر على الأدوية المطلوبة ، فأنا مستعد لدفع ثمنها من عندي. فاقتنع الأمير بهذا الكلام ، وبعث بأحد كبار رجاله إلى البصرة ليعود مع الجراح بعد أن يشتري الأدوية ، ولبث الأمير أياما ثلاثة ينتظر قدومه. لكننا بعد أن تظاهرنا بالتفتيش عما نطلب من أقصى المدينة إلى أقصاها (إذ كنا نبحث عن هذه الادوية في المحلات التي نعرف أنها خالية منها) أعدنا رسول الأمير إليه ، معتذرين عن عدم إيجاد العقاقير المطلوبة ، ومن ثم عن عدم عودة الجراح إليه لزوال الفائدة من حضوره.
وهي الوسيلة الوحيدة الناجحة التي فكرنا أنها تساعدنا على الإفلات منه بمهارة. وفي الأيام التي أعقبت مفارقتنا الأمير العربي ، كنا في أرض خالية من السكان. في اليوم التالي وهو اليوم الخامس والستون ، والأخير من بقائنا في البادية ، صادفنا خرائب بعض البيوت على جانبي الطريق ، مما جعلنا نفترض بأن مدينة كبيرة كانت تقوم سابقا في هذه البقعة (1)
وأخيرا بلغنا البصرة. وسأصفها في موطن آخر من حديث رحلتي.
وفي أثناء مكوثي في البصرة ، الذي دام نحو ثلاثة أسابيع وصل إليها سفير من عظيم المغول ، كان قد ذهب من القسطنطينية إلى بغداد لتهنئة السلطان على فتحه تلك المدينة (2) وأخذها في مثل هذا الوقت الوجيز. وقد أهدى الامبراطور له ثلاثة من جياد الخيل ، وساعة صغيرة علبتها ملبسة بالماس والياقوت. إلا أن السفير لعدم معرفته ماهية هذه الآلة الصغيرة ، ملأها من الجهة المعاكسة فكسر لولبها. ولما جاء إلى البصرة استدعى الرهبان
পৃষ্ঠা ২৪
الكرمليين (1) وطلب منهم اصلاح ساعته ، لأنه كان يخشى فقدان رأسه إن عاد سيده ولم يره الساعة. وقد كنت مقيما في دار الكرمليين. فهؤلاء لما لم يعرفوا سبيل اصلاحها ، طلبوا مني إبداء مهارتي في ذلك. فتناولت الساعة ووضعت لها لولبا جديدا ، فصلح حالها. ولما رأى السفير ما أنا عليه ، بالرغم من أن ما صنعته كان شيئا تافها ، عرض علي ما لا يمكن وصفه من الخدمة وحسن الالتفات. وعلى ذلك فإن الرهبان الكرمليين والأغسطينيين ، رجوا مني أن أطلب من السفير ، نيابة عنهم ، أن يستحصل لهم من السلطان كتاب أمان يضمن لهم فيه ، سلامة بيوتهم وكنائسهم في حالة استيلائه على البصرة. فقمت بذلك ، ونلت بوساطته الأمان التام من الوزير الأول. ولكن الرهبان لم يحتاجوا إليه ، لأن الترك لم يقوموا بأية محاولة لأخذ البصرة ، لسماعهم أن الفرس قادمون إليها ، هذا إلى أن موسم الأمطار كان على وشك الحلول ، مما لا يتيح لجيش ما البقاء في ساحات القتال. ولو أن بغداد ذاتها صمدت ثمانية أيام أخرى ، لاضطر السلطان إلى رفع الحصار والجلاء عنها.
وبما أنني تطرقت إلى ذكر الجياد العربية ، علي أن أقول إن منها ما هو غال بل غال جدا. فقد دفع سفير المغول للواحد منها 3000 و4000 و6000 كراون ولغيرها دفع 8000 كراون. ولكن الحصان لم يكن ليباع بأقل من عشرة آلاف. ولهذا عدل عن شرائه. فلما آب إلى وطنه في بلاد الهند ، وقدم لعظيم المغول تلك الخيول التي حملها معه ، وكانت جيادا جميلة جدا ، أخبر سيده كيف أنه دفع 8000 كراون عن حصان أجمل من أي واحد أتى به ، بيد أن
sir h. collancz : chronicle of events between the years 3261 and 3371
.
relating to settlement of the order of carmelites in mesopotamia) bassora (
. ( oxford : 7291 : xxlll G 966 p
وكان أول قدومهم إليها في سنة 1623 يتقدمهم باسيليوس البرتغالي ، فسعوا في هداية الصابئة. راجع : الآثار الخطية للأب أنطون رباط (ص 388 390 و436 449)، وذخيرة الأذهان لنصري (2 : 195). وما زال الكرمليون في البصرة إلى هذا اليوم.
পৃষ্ঠা ২৫
صاحبه لما لم يرض أن يبيعه بأقل من عشرة آلاف ، تركه. فغضب الملك لتوقف سفيره عن شراء الحصان بمثل هذا المبلغ الزهيد ، بينما كان الشراء لواحد من أعاظم ملوك الدنيا ، ولا مه على ذل نفسه ، وأقصاه عن حضرته بنفيه مدى الحياة إلى مقاطعة نائية عن البلاط ثم كتب الملك إلى الإنكليز ليشتروا له الحصان ، ففعلوا ذلك وجلبوه إلى سورات بالهند حيث دفع لهم الحاكم ثمنه. غير أن الحصان ما لبث أن مات في رامبور.
ولن أنسى قط أنه حين كنت في البصرة ، حلقت في سمائها ، في خلال مرتين ، سدود من الجراد كانت تبدو من بعيد كأنها السحب ، فأظلمت الأرض به. إن الجراد يمر بالبصرة أربع أو خمس مرات في السنة ، تحمله الرياح من البادية التي فيها مولده وهلاكه. ولو لم تدفعه الريح بهذا الوجه لما ترك نبتا يعيش على الأرض في بعض أقسام كلدية. يطير هذا الجراد فوق بلدان خليج فارس. ولما تأتي المراكب إلى هرمز (1) (Ormuz) في أي وقت من السنة ، يجد ركابها دكاكين صغيرة يبيع فيها الناس الجراد المقلي بالدهن لمن يحب هذا اللون من الطعام. وقد حداني حب الاستطلاع ذات مرة ، أن فتحت بطن جرادة طولها ستة إنشات : فوجدت داخلها سبع عشرة جرادة صغيرة تتحرك. ومن هذا يمكن أن يحزر بسهولة كيف تتكاثر تلك الحشرات ، خاصة في البلدان الحارة.
وهناك عدة سفن وقوارب تمخر من هرمز ، لتجهيز جانبي خليج فارس بالحاجات الضرورية ، حيث الناس هناك لا يأكلون الخبز ولا الرز. وقد اتفقت مع صاحب أحد هذه القوارب ، وكان الاتفاق على أن لا يزيد ما يحمله القارب على نصف وسقة ، لأنهم على العموم يحملونها بما هو فوق طاقتها. وفي الأحوال الجوية الرديئة يضطرون إلى أن يرموا بنصف الحمل إنقاذا للبقية.
পৃষ্ঠা ২৬