ينهبون الحاج ، ويجورون عليهم ، ويتقاضونهم من الأجرة أضعاف حقوقهم ، وقد يخدعونهم ويغشونهم ، ويرتكبون في أمورهم كل محرم ، ولقد كنت أسمع هذه القصص قبل أن حججت ، وقبل أن عرفت مكة والمطوفين ، وقبل أن زرت المدينة وعرفت المزورين ، والمثل السائر عندنا يقول : الله يساعد من يتكلم فيه الناس بالمليح ، فكيف بالقبيح؟ فالمطوفون والمزورون ولا سيما الفريق الأول منهم ، قد وقعوا في ألسنة الناس من قديم الزمان ، ويجوز أن يكون بعضهم غير بريء بالمرة من هذه التهم ، أو من بعضها ، ويجوز أن تكون حصلت وقائع في وقت من الأوقات ، وغير معقول أن طائفة كهذه تعد بالمئات ، وتتجاوز المئات ، تكون بأجمعها من الفرقة الناجية ، ومن ذوي الأخلاق الفاضلة ، وأنه لا يجوز أن يصدر عنها عمل سيء ، ولا تلوث بطماعية أو خديعة ، فالذين يطلبون الكمال عند المطوفين والمزورين ينسون أنهم بشر ، وينسون أنهم مرتزقون ، وينسون أن أكثرهم عوام ، وينسون أن رزقهم إنما هو على حجاج البيت الحرام.
ولو دقق الإنسان النظر في المطاعن التي توجه إلى هؤلاء ، لوجد أن أكثرها مبني على كون المطوف أو المزور يتقاضى الحاج حقه ، أو يطمع في أن يأخذ منه بدلا من الجنيه الواحد جنيها ونصفا مثلا ، والحجاج أغنياؤهم عددهم قليل ، لأن الغني في أكثر الأحيان يميل إلى الرفه والترف ، وهذان لا ينتظمان مع الحج ومشاقه ، ولا سيما إذا كان الفصل صيفا ، وأكثر فصول الحجاز صيف ، والقسم الأعظم من الحجاج هم من طبقة المساتير ، الذين ليسوا من ذوي الفضلة ، والذين لا يقدرون أن يعيشوا إلا ببودجة (1) مالية ، متوازن واردها مع نافدها ، والنفقات غير الملحوظة فيها زهيدة جدا ، فهؤلاء لا يقدرون أن ينفقوا كما شاؤوا ، وهؤلاء أكثرهم يبقى سنين من حياته وهو يوفر شيئا من رزقه ، ويقطع
পৃষ্ঠা ১২৪