নুবায় সময়ের যাত্রা
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
জনগুলি
إلى اليمين كان أسعد جالسا على عنجريب طويل وعلى مائدة صغيرة فانوس من النوع المقاوم للريح، وفي ظل القمر جلس شيخ لم أتبين ملامحه، وإن كان الضوء القليل المنبعث من الفانوس قد أعطاه وقارا كبيرا؛ تحت العمامة الكبيرة كان وجه صغير نمت حوله لحية بيضاء صغيرة، وكان ذلك هو والد الحاج شاهين عبد اللطيف، وألح الشيخ أن يأمر لنا ببعض الطعام، لكن كان معنا بعض السندوتشات الباقية من الغداء، ورحبنا بالشاي الذي قدمه لنا، ومضت نصف ساعة في عبارات الترحيب المعتادة، وبلغت الساعة نحو الحادية عشرة، والجهد بلغ منا مبلغه، وأخيرا دخلنا غرفة واسعة واستلقى كل منا على عنجريب حتى الصباح الباكر.
أنعشتنا رطوبة الصباح مع رشفات الشاي والبيض الذي أعده أهل الشيخ، وفي ضوء الصباح بدا لي الشيخ وسيما وافر الأدب جم النشاط رغم تقدمه في العمر، يتكلم في صوت خفيض به بعض رعشة، ويرد على السؤال بعد ترو وفي إيجاز، كما هي عادة أهل النوبة من كبار السن.
وتجولت حول المنزل قليلا، ثم صعدت إلى السور، فتفتحت عيني على منظر آخذ بالمجامع، فالبيت على ربوة عالية والدرب ينحدر ملتويا بين البيوت، وينفرج المنظر عن مساحة شاسعة من الخضرة الزاهية، وبعدها يمتد النيل كشريط طويل يقسم المنظر البانورامي المفتوح قسمين: فعبر النهر كان الشاطئ الآخر يمتد عاليا وفوقه تناثرت البيوت البيضاء، وقد سجلت ما رأيت بالسينما والصورة، ولكن كلما نظرت إلى الصور أرى أن العين البشرية ترى أشياء أجمل بكثير مما تسجله عدسة التصوير؛ لأن العين لا تجتزئ المنظر، بل تراه شمولا متكاملا.
وعلى قدر ما كان هذا المنظر ينبض بالخضرة والماء والحياة، كانت التفاتة إلى الخلف تكفي لأن أعرف أين أنا من خط الحياة والموات، فالجبال الجرداء تضرب ستارا حاجزا بين النوبة الحية والصحراء التي تتناثر فيها بعض أشجار السيال الشوكي في مناطق متفرقة محدودة.
وحوالي الثامنة كنت لا أزال مأخوذا بالمنظر أدقق النظر إليه بواسطة العدسات المقربة في جهاز السينما، وفجأة ظهرت زوجتي من خلال العدسة ومعها نوبي طويل القامة وحولهما زفة صغيرة من الأطفال، كانوا يصعدون الدرب الطويل متجهين نحونا، وكانت جائعة، فهي لم تذق طعاما منذ سندوتشات ظهر أمس، وعلى الفور أعد الشيخ عبد اللطيف طبقا من البيض المقلي والشاي، وأخرجنا من مؤننا بعض الجبن والخبز، وكانت وليمة إفطار شهية.
وبعد استراحة قصيرة أخذنا نتدبر أمورنا، وقررنا أن نرسل بعض أحمالنا بالبوستة على عدد من المحطات، كما فعلنا من قبل بصفائح البنزين؛ وذلك لكي نتجنب شحن كل شيء معنا في القارب الصغير، فبعض ملابسنا النظيفة وجانبا من المؤن وضعناها في حقيبتين نتسلمهما في سيالة والمالكي؛ باعتبارهما محطات متوسطة، نأخذ منها بعضها في الذهاب، والباقي في رحلة العودة.
وفي الوقت الذي كنت فيه وزوجتي منشغلين بإعادة ترتيب الأغراض، كان أسعد قد نزل إلى الشاطئ مع الريس محمد لإصلاح القارب، ولم يمض وقت طويل على ذهابهما حتى سمعنا صوت المحرك يعمل، فنظرنا فإذا بالقارب يسير ويدور عدة دورات، كان الريس محمد يختبره.
وحين عاد أسعد إلى النجع، كان الريس محمد قد توجه بالقارب - وقد ربط إليه مركبه الشراعي - إلى نجع قناوي ويخبر أهله بسفره معنا، ويترك لهم ما يعينهم على المعاش إلى أن يعود، وقال لي أسعد: إن المحرك كان يحتاج إلى لمسة سحرية؛ فما أن جذب الريس محمد حبل المحرك الآخر حتى دار على الفور، وكنا قد ذكرنا له أن المحرك الذي دار معنا لم يكن ينقل الطاقة إلى المروحة، فقال لنا إننا كنا سيئي الحظ؛ لأن هذا المحرك معطل منذ فترة، ولو كنتم ركزتم على المحرك الثاني، لكان قد دار فعلا وجنبكم مغامرة الأمس. واختتم: لكن جت سليمة! كذلك سألناه عن المياه التي كانت تزيد في جوف القارب فقال: إن ذلك راجع إلى بقاء القارب بضعة أشهر راقدا في مرساه تحت أشعة الشمس؛ فجفت أخشابه وتشققت، وحين عاد القارب إلى الماء تسربت المياه إليه، ويجب نزحها من حين لآخر لمدة يومين أو ثلاثة أيام حتى يبتل الخشب تماما، فيتمدد وتغلق الشقوق تماما، وهذا هو ما حدث بالفعل في الأيام التالية.
وإلى أن عاد الريس محمد كنا قد تغدينا، وتركنا الحقائب التي سترسل على باخرة البوستة إلى سيالة والمالكي عند وكيل بريد دهميت ونحن مطمئنون تماما؛ فالأمانة هي سمة أهل النوبة الكرام، وفي الثانية بعد الظهر بدأ موكبنا يتحرك إلى «لندا»، وفي الثالثة والربع رفع محمد المرساة وأخذ العجلة بين يديه، بينما نحن نلوح للجمع الذي جاء لوداعنا على الشاطئ، وكانت فرحتنا عظيمة إذ بدأت رحلتنا الحقيقية بالفعل، وكان هدفنا هو كلابشة، حيث توجد عمليات نقل معبد كلابشة الذي تقوم به البعثة الألمانية، هناك كنا نأمل أن يصلح أحد المهندسين العطب الذي أصاب محرك «لندا» الثاني.
الفصل الرابع
অজানা পৃষ্ঠা