জাকি নাজিব মাহমুদের চিন্তায় একটি যাত্রা
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
জনগুলি
9
هذا الموقف الفلسفي الرائع، الاستقلال في الرأي، والاستقلال في التفكير، هو الذي كان يحاول زكي نجيب محمود «الأستاذ» أن يغرسه في تلاميذه، ولم يحاول قط أن يكون تلاميذه مجرد «نسخ» منه.
ومعنى ذلك كله أن إحدى الخصال الأساسية في زكي نجيب محمود «الأستاذ» نفوره من المذهبية، وإقباله على الاستقلال في الرأي، وفي استطاعتك أن تضيف إلى ذلك خاصية أخرى هي أنه لا يعرف في الحق لومة لائم، لا يجامل على حساب الجانب العلمي على الإطلاق، ولا يتحاشى المواجهة الصريحة مع أي إنسان كائنا من كان تلميذا أو صديقا، وبالغا ما بلغت درجة حبه له، ولكم شهدت مناقشات حول بعض قضايا لا تروقه في علم النفس، أو أفكار لبعض علماء النفس لا يوافق عليها؛ من ذلك مثلا ما يقوله البعض من أن المجرم يكون، في الأعم الأغلب، ضعيفا من الناحية العقلية، أو كثيرا ما يكون أقل، وأشهد أنه انفعل مرة انفعالا ملفتا لأنني كتبت رأيا يخالف رأيي ثم أردفته بعلامة تعجب (!) وثار «المعلم» ثورة لم أكن أتوقعها قط وهو يقول: علام تتعجب؟! وماذا فعل بك الرجل حتى تتعجب من كلامه؟ وحتى لو افترضنا جدلا أن فكرتك أصدق من فكرته، وهذا غير صحيح، أيجيز لك ذلك أن تتعجب منه؟ إنني أود أن ألقن كل من يستخدم علامات التعجب في صحفنا وكتبنا درسا لا ينساه؛ أود أن أقول له: يا رجل، إن علامة التعجب انفعال يجوز أن نستخدمه في مجال الأدب أو الفن عموما، أما مجال الفكر والعقل والمنطق واختلاف الرأي، فلا يجوز لك أن تتعجب فيه أبدا من فكر يخالف فكرك أو رأي يعارض رأيك! إنك إذا ما تصفحت كتابا باللغة الأجنبية فإنه يندر جدا أن تجد فيه علامة تعجب واحدة.
علمني الدكتور زكي نجيب «المعلم» الاهتمام باللغة، وكان يقول باستمرار إن الفكرة الخصبة العميقة التي توضع في إطار لغوي رديء لهي أشبه بالفتاة الجميلة التي ترتدي أسمالا بالية، وتترك شعرها أشعث أغبر، فيضيع جمالها وسط هذا الإطار القبيح! أما الفكرة الخصبة العميقة التي توضع في إطار لغوي سليم يعبر عنها بوضوح ناصع؛ فهي أشبه بالفتاة الجميلة التي تبرز ثيابها وزينتها ما عندها من جمال!
ومن القيم التي بثها فينا زكي نجيب «المعلم» قيمة «الإخلاص». ولقد رأيته مؤخرا في حلقة تليفزيونية، وهو يجيب عن سؤال للأستاذ فاروق شوشة: «وما الحل في رأيكم لكل ما نعانيه من مشاكل!» رأيته منفعلا بعنف وهو يقول: «الإخلاص! الإخلاص يا أخي!» وأخذ الرجل يكررها مرارا وهو يعدد ضروب النفاق والجهد العابث «نجلس ونجتمع، ونعقد لجانا وراء لجان، ونكدس أوراقا فوق أوراق، ونحن نعلم أن ذلك كله سوف يضيع في أدراج المكاتب، نحن ندرك مقدما أن ذلك كله لن ينفذ منه شيء! إننا ينبغي أن نخلص الفكر والعمل معا فنكتب المذكرات التي تنفذ، ونضع التقارير والاقتراحات الصالحة للتنفيذ، ثم نسعى جاهدين إلى تحويلها إلى عمل!»
ذكرتني هذه الثورة الانفعالية الشديدة بثورته عندما كان يشعر أن طالبا ينافقه أو يتملقه، عندئذ كان يشعر أنه أهين إهانة بالغة! أذكر أنني كنت في منزله في بداية عملي في رسالة الماجستير تحت إشرافه، عندما حضر أحد الطلاب الذين يعدون رسالة علمية أيضا تحت إشرافه، وكان الطالب قد اعتمد على كتاب «قصة الفلسفة الحديثة»، وفوجئت بالرجل يثور بعنف ويتهم الطالب بالتملق الرخيص: «أتظن أنك بذلك ترضيني أو تجاملني؟ إذن فاعلم أنني كتبت هذا الكتاب وأنا أصغر منك سنا!» (أين ذلك الموقف من أساتذة اليوم الذين يقيمون الطلاب بمقدار اعتمادهم على كتبهم أو ذكر مؤلفاتهم في قائمة المراجع!) وعندما هممت بالوقوف مستأذنا في الانصراف (وكان الموعد الذي حدد لمناقشتي فيما كتبت قد انتهى)، حتى لا أحرج الزميل الفاضل فوجئت بالدكتور زكي يشير إلي بيده أن أجلس! ثم قال: «أود أن تشهد ما وقع فيه زميلك من أخطاء، وما أسوقه من ملاحظات حتى لا تقع فيها، فكلكم تقريبا تقعون في الأخطاء نفسها مع فوارق قليلة، وأنا لا أريد أن أكرر كلامي مرتين!» وهكذا أردت أن أتجنب إحراج الزميل فأحرجت نفسي!
وإذا كان المعلم يكره النفاق والتزلف من تلاميذه، فإنه هو نفسه يفاخر بأنه لم يكن ذات يوم منافقا أو متزلقا، ويحمد الله الذي أغناه عن هذه العادة القبيحة بأن كانت رغباته قليلة محدودة يقول: «الحمد لله الذي أغناني بهذه القدرة العجيبة على ألا أجعل للرغبة سلطانا يستعبد نفسي، ويسوقها وهي راغمة في طريقة النفاق والزلفى، وإني لأكون شاكرا وذاكرا للفضل، إذا ما ذكرني أحد بخطوة واحدة خطوتها على طول السنين نحو بشر مثلي ألتمس عنده الرضا ...»
10
زكي نجيب محمود ... الإنسان
كنا في السنة الرابعة من دراستنا الجامعية، وكان الوقت فترة الاستراحة بين محاضرتين للدكتور زكي، ولم يكن يخرج فيها من قاعة الدرس، عندما رأيته يضحك حتى تنفرج أسارير وجهه، ولست أذكر الآن على وجه الدقة سبب الضحك، لكني أذكر جيدا كيف انقلبت هذه اللحظة السارة إلى شعور بالأسى والمرارة، عندما قال له أحد الطلبة: «هذه هي المرة الأولى في حياتي الجامعية التي أراك تضحك فيها يا دكتور!» والحق أن الألم كان يعتصره عندما يسأله سائل: «ما لي أراك واجما؟» وكان يجيب باستمرار: «لا! ليس ما بي من وجوم، وإنما هي خلقة طبعها الله على وجهي، فأبدو واجما ولست بواجم!»
অজানা পৃষ্ঠা