نفسي فالمرأة كاهنة فكتب له كتابا وجعله في نقرة نقرت في قربوس سرجه وغطاه بالشمع فمضى الرسول حتى أتى خالدا فدفع إليه الكتاب وعرفه أن الأول أحرقته النار فرد جوابه وأعاده في قربوس سرجه ومضى فخرجت ناشرة شعرها تضرب صدرها وتقول ذهب ملككم في نبات الأرض وأراه بين لوحين وكانت الكاهنة قد ملكت أفريقية خمس سنين منذ أنصرف حسان عنها ولما رأت إبطاء العرب قالت للبربر أن العرب إنما يطلبون من أفريقية المدائن (1) والذهب والفضة والشجر ونحن إنما نطلب منها المزارع والمراعي ولا نرى لكم إلا خراب أفريقية حتى ييئسوا منها ويقل طمعهم منها فوجهت قومها إلى كل ناحية يقطعون الزيتون والشجر ويهدمون الحصون فحكى بعض المؤرخين عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم رحمه الله أنه قال وكانت أفريقية من طرابلس إلى طنجة ظلا واحدا قرى متصلة وعامرة وأخربت جميع ذلك قال الشيخ محمد بن علي شارح الشقراطسية سمعت من يقول انه كان بأفريقية في القديم مائة ألف حصن من بين قصر ومدينة وأما ملكها إذا أراد الغزو بعث إلى كل حصن فيأتيه منه فارس ودينار فيجتمع له مائة ألف فارس ومائة ألف دينار ولا ينقص من بلده شيء والله أعلم بصحة ذلك ومن تأمل أثر المدن والقصور الخربة بأفريقية وتداني بعضها من بعض رأى من ذلك ما يقضي منه العجب ويستدل على كثرة عمرانها في السالف وكذلك الشعاري التي بها إذا تأمل أشجارها في مواضع على اعتدال وترتيب تنبئ أنها مغروسة لإنبات ويقال أن ما فيها الآن من بطم إنما كان فستقا وإنما استحال إلى الصغر وإلى طعم آخر لطول ما أتى عليه من السنين ولا شك أن من أكل البطم أخضر وجد طعمه كطعم الفستق قال فلما بلغ كتاب خالد إلى حسان رحمه الله خرج بالجيوش فلقي في طريقه ثلاثمائة رجل من النصارى يستغيثون من الكاهنة فيما نزل بهم من الخراب واخراب ضيعهم ووصل
পৃষ্ঠা ১৩৩