هذا تصفيون بن العطار كان من أصحاب سسليوه ، وكانوا كما قلنا على أثر سيدنا عيسى عليه السلام ، ويظهر من كلامه فيما تقدم أنه برء من الشرك الذي تعتقده النصارى في هذا الزمن ، لأنهم يصدرون في ذكر الألوهية عن التثليث. وأيضا سسليوه ما قال في أول كتابه إلا باسم (كذا) الذات الكريمة الملتبيبة. والآن يقولون : بسم الأب والا بن والروح القدس إله واحد ، تعالى عن قولهم علوا كبيرا.
ولما أردت القدوم إلى مدينة إشبيلية لنمشي إلى بلاد المسلمين مشيت إلى القسيس وقلت له : إني عزمت على القدوم إلى بلدي ، وإن أبي كتب لي أن نمشي إليه وأن طاعة الوالدين واجبة ، قال لي في بعض المسائل هي واجبة وفي بعضها لا تجب ، قلت لا بد لي من القدوم ، وطلبت منه أن يكون سندا للأندلس لأنهم ذلال عند النصارى القدما ، قال لي : اعلم أنني من جانبهم في كل زمن ، وحين قاموا على السلطان كنت أنا قاض القضاة بهذه المدينة ، وجاء إليها السلطان وقبض من أعين الأندلس بهذه المدينة مائة وأربعين رجلا وقتلهم ، كل ذلك ليأخذ أموالهم ، وكان الحق أن يتركهم لأنهم ما كانوا من القوام. وأصحاب المال والنعمة لا يسعون إلا في أمور العافية لينعموا فيما عندهم بخلاف غيرهم ، ولكن أنتم الأندلس فيكم عادة غير محمودة ، قلت : ما هي؟ قال : أنكم لا تمشون إلا بعضكم مع بعض ، ولا تعطون بناتكم للنصارى القدما ، ولا تتزوجون مع النصرانيات القدما. قلت له لماذا نتزوج النصرانيات القدما وكان بمدينة انتقير (58) رجلا من قرابتي عشق بنتا نصرانية ، ففي اليوم الذي مشوا فيه بالعروسة إلى الكنيسة ليتم النكاح احتاج يلبس العروض الزرد المهند من تحت الحوايج ، وأخذ عنده سيفا لأن قرابتها حلفوا أنهم يقتلونه في الطريق ، وبعد أن تزوجها بسنين لم يدخل إليها أحد من قرابتها ، بل يتمنون موته وموتها ، والنكاح لا يكون ليتخذ به الإنسان أعداء بل أحبابا وقرابة. قال لي : والله إنك قلت الحق وتودعنا بالخير ، وذهبت ، وما ذكرت له عن الأندلسي والنصرانية كان صحيحا ، وأسلمت على يده ، وحسن إسلامها غاية الحسن ، وأسلمت على يديها أمها عجوزة.
انظر عنها : ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، 3 : 259 ؛ وابن الخطيب ، معيار الاختيار ، 197.
পৃষ্ঠা ৪০