عليها، فإذا رقصوا فلهم في رقصهم هيئة ظريفة من التوقيع على الموسيقا، مثل أن يرفع رجلا ويحط أخرى ، ومثل أن يتحدبوا وينطوا نطا على ذلك الانحداب راكعين. ليس في قلوبهم شيء من الأذواق، ولا يظهر عليهم ذبول العبودية، ولا سيماء الخوف، ولا خرقة المحبة، ولا جمع الهم على العبادة بالقصد الصحيح، ولا يوجد منهم روانح الطلب، ولا يسمع منهم قواعد السير والسلوك والوصول، وقطع عقبات النفس، ووجدان الأذواق من الطوالع والبوارق واللوائح، ولا يرى عليهم ذبول الخوف، ولا سيماء المحبة، اللهم إلا في السماع، ربما رقوا وخشعوا، فإذا خرجوا عن السماع عادوا إلى تلك العوائد النفسانية ، والأوضاع الاصطلاحية ، لكنهم أهل تألف، وتوادد وتواصل وتراحم، وخلق وإيثار، بل غالب ما هم عليه هو ما يظهر منهم من الأخلاق والخلاعة ، والترسم بظاهر الدين، وفيهم من له ورد بالليل وصيام وحج، بل غالب مجاهدتهم المجاورة بمكة، فمن جاور سنة انتهى سيره في سلوكه!!
العادات عليهم غالبة، ونفوسهم عن الحقائق محجوبة، لم أر فيهم ناقدا، ولا طالبا، ولا من يشير إلى طلب الوصول أصلا هذا فن قد مات عندهم، وليس الفقير عندهم إلا من مد كسيرة، أو يكرم الأخوان بالضيافة، أو يفتح الطابق بالسماع فترق القلوب له، فيضيف الناس برقة القلوب. هذا أعز أحوالهم وأعلاها، وانتهى الأمر عند ذلك.
يعظمون المشايخ لا كتعظيم أولئك، بل فيهم شعبة منهم،يكشفون رؤوسهم عند قبة ابن إدريس من الصحراء ، ويقبلون عتبة بابه - فعلت ذلك معهم وأنا شاب - إلا أنهم لا يقعون في تلك المناجس، وربما عشق أحد منهم أمرد على معرفة منه أن ذلك باطل لا يجوز، وإذا رأوا صاحب عبادة وورع لا يتكايس معهم، ولا يحضر السماع، ولا يطيب فيه، قالوا: هذا يابس ثقيل، فعاشرتهم، فلم تعجبني حالهم ، وعرفت بغريزتي أن الأمر فوق ذلك. ولا أشم الهواء إلا من كتب
পৃষ্ঠা ৩৯