============================================================
غاية عامة العلماء : الغلبة، والتفوق، والشهرة، وتسفيه المخالفين، ووسائلهم إلى هذه الغاية جدل ولدد، ورمي للغير بالعظائم، وهدم كل تليد من التراث، ودعوى عريضة، ونفاق عفن، وثرثرة مملولة، ونقول لا أصالة فيها .
أما الذين اختارهم الإمام المحاسبي ليطلب النجاة على آيديهم فقد أسف أشدا الأسف لأنه وجد علمهم مندرسا، ووجدهم أقل من القليل، ووصفهم فقال : وجدتهم مجتمعين على نصح الأمة، لا يرجون أبدا في معصيته ، ولا يقنطون ابدا من رحمته، يجببون الله تعالى إلى العبد بذكر آياديه وإحسانه ، ويحثون العباد على الأنابة إلى الله تعالى... فقهاء في دينه، علماء بما يحب ويكره، ورعين عن البدع والأهواء، تاركين للتعمق والاغلاء، مبغضين للجدال والمراء... ورعين في مطاعمهم وملابسهم وجميع أحوالهم، مجانبين للشبهات، متقللين من المباح، زاهدين في الحلال" (1).
وهكذا عشق الإمام المحاسي منهج هذا اللون من العلماء بالله، الفقهاء عنه واكتفى من علم النقل بما يعرف به الحدود، وعلم أكثر من ذلك، ولكنه لم يشارك في معركة الانتصار للمذهب، والرد على المخالفين كما شارك غيره ممن لم يؤثر النجاة.
وأعلن الإمام المحاسبي رأيه في القدوة التي اختارها فقال: " فتبين لي فضلهم واتضح لفي نصحهم، وأيقنت أنهم العاملون بطريق الآخرة، والمتأسون بالمرسلين والمصابيح لمن استضاء بهم، واهادون لمن استرشد بهم، فأصبحت راغبا في مذهبهم مقتبسأ من فرائدهم، قابلا لآدابهم، طلبا لطاعتهم، لا أعدل بهم سببا، ولا أوثر عليهم أحدا ، ففتح الله لي علما اتضح لي برهانه ، وأنار لي فضله ، ورجوت النجاة من اقتربه وانتحله، وأيقنت بالغوث لمن عمل به ، ورأيت الاعوجاج فيمن خالفه ورأيت الرين متراكما على قلب من جهله وجحده، ورأيت الحجة العظمى لمن فهمه ورأيت انتحاله والعمل بحدوده واجبا على، فاعتقدته في سريري، وانطويت عليه (1) الوصايا 31.
পৃষ্ঠা ১২