التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية
التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية
প্রকাশক
مطبعة دار نشر الثقافة
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٣٨٠ هـ
প্রকাশনার স্থান
الإسكندرية
জনগুলি
التحفة الربانية
في شرح الأربعين حديثا النووية
ومعها شرح الأحاديث التي زادها ابن رجب الحنبلي
تأليف
فضيلة الشيخ العلامة / إسماعيل بن محمد الأنصاري (يرحمه الله)
الباحث في دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، نسأله جل شأنه أن يهدينا صراطه المستقيم، ويحمينا من مضلات المفتنين، وموبقات الملحدين، وأصلي وأسلم على من أرسله الله رحمة للعالمين، هدى وذكرى للمؤمنين، وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق الجهاد، فبلغوا الرسالة إلى كافة العباد، وفازوا بالعز والسعادة في الدنيا والمعاد. وبعد: فللإمام النووي قدم راسخة في السنة المطهرة، آثاره فيها حميدة، ومكانته فيها مكانة الراسخين في العمل، فقد خدم صحيح مسلم أجل خدمة، وساق إلى من يريد الإصلاح كتابه «رياض الصالحين»، ثم استخلص من الصحاح الأربعين حديثا المشهورة التي أنزلها العلماء منزلة القبول والاستحسان، لاشتمالها على أصول الأحكام وشرائع الإسلام فتعهدوها بالشرح والبيان، ومن أجل شروحها هذا الشرح الوجيز، الذي ألفه أستاذنا الشيخ إسماعيل الأنصاري - وفقه الله - فقد أحسن الجميل إلى طلبة العلم، وأبدع التنسيق في بيان مقاصد الحديث، حيث سار على الطريقة الاستنتاجية بعد شرح المفردات اللغوية، وكانت الأغراض التي تستنبط منكل حديث خير ما امتاز به هذا الشرح المفيد. سائلين الله تعالى أن يجعله عملا صالحا خالصا لوجه الكريم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، نسأله جل شأنه أن يهدينا صراطه المستقيم، ويحمينا من مضلات المفتنين، وموبقات الملحدين، وأصلي وأسلم على من أرسله الله رحمة للعالمين، هدى وذكرى للمؤمنين، وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق الجهاد، فبلغوا الرسالة إلى كافة العباد، وفازوا بالعز والسعادة في الدنيا والمعاد. وبعد: فللإمام النووي قدم راسخة في السنة المطهرة، آثاره فيها حميدة، ومكانته فيها مكانة الراسخين في العمل، فقد خدم صحيح مسلم أجل خدمة، وساق إلى من يريد الإصلاح كتابه «رياض الصالحين»، ثم استخلص من الصحاح الأربعين حديثا المشهورة التي أنزلها العلماء منزلة القبول والاستحسان، لاشتمالها على أصول الأحكام وشرائع الإسلام فتعهدوها بالشرح والبيان، ومن أجل شروحها هذا الشرح الوجيز، الذي ألفه أستاذنا الشيخ إسماعيل الأنصاري - وفقه الله - فقد أحسن الجميل إلى طلبة العلم، وأبدع التنسيق في بيان مقاصد الحديث، حيث سار على الطريقة الاستنتاجية بعد شرح المفردات اللغوية، وكانت الأغراض التي تستنبط منكل حديث خير ما امتاز به هذا الشرح المفيد. سائلين الله تعالى أن يجعله عملا صالحا خالصا لوجه الكريم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
অজানা পৃষ্ঠা
الحديث الأول
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». رواه إماما المحدثين: أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة.
المفردات:
إنما: للحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه.
الأعمال: الشرعية المفتقرة إلى النية.
بالنيات: بتشديد الياء وتخفيفها جمع نية وهي عزم القلب.
وإنما لكل امريء ما نوى: فمن نوى شيئا لم يحصل له غيره.
1 / 5
فمن كانت هجرته: إنتقاله من دار الشرك إلى دار الإسلام.
إلى الله ورسوله: بأن يكون قصده بالهجرة طاعة الله ﷿ ورسوله ﷺ.
فهجرته إلى الله ورسوله: ثوابا وأجرا.
لدنيا: بضم الدال وكسرها من الدنو، أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى، أو لدنوها إلى الزوال، وهي ما على الأرض مع الهواء والجو مما قبل قيام الساعة. وقيل: المراد بها هنا المال بقرينة عطف المرأة عليها.
يصيبها: يحصيها.
ينكحها: يتزوجها.
فهجرته إلى ما هاجر إليه: كائنا ما كان، فالأول تاجر والثاني خاطب
يستفاد منه:
١ - الحث على الإخلاص، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صوابا وابتغي به وجهه. ولهذا استحب العلماء استفتاح المصنفات بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية.
٢ - أن الأفعال التي يتقرب بها إلى الله ﷿ إذا فعلها المكلف على سبيل العادة لم يترتب الثواب على مجرد ذلك الفعل وإن كان صحيحا، حتى يقصد بها التقرب إلى الله.
٣ - فضل الهجرة إلى الله ورسوله. وقد وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين: الأول - الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة، الثاني - الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي ﷺ بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين. وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص. وبقي عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن قدر عليه واجبا.
1 / 6
الحديث الثاني
عن عمر رضي الله تعالى عنه أيضا قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله ﵌ ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي ﵌ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله ﷺ: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال صدقت، فعجبنا له، يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تبعد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما لمسئول عنها بأعلم من السائل، قال فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن
1 / 7
ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم». رواه مسلم
المفردات:
رجل: ملك في صورة رجل.
لا يرى عليه: بالياء المثناة من تحت المضمومة على المشهور. ورواه بعضهم بالنون المفتوحة، وكلاهما صحيح.
على فخذيه: على فخذي النبي ﷺ كما يفهم من رواية النسائي.
أن تشهد أن لا إله إلا الله: يبين معنى هذه الكلمة ما في الرواية الأخرى لأبي هريرة بلفظ «أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا»
وأن محمد رسول الله: يجب على الخلق تصديقه وطاعته فيما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه.
وتقيم الصلاة: المكتوبة. أما صلاة النافلة فإنها وإن كانت من وظائف الإسلام فليست من أركانه. وكذلك الزائد على الفرض من الزكاة والصوم والحج.
تؤتي الزكاة: المفروضة لمستحقيها.
وتصوم رمضان: تمسك نهاره عن المفطرات بنية.
وتحج البيت: تقصده لأداء النسك المعدود من أركان الإسلام إن استطعت إليه سبيلا: وهو الزاد والراحلة.
فعجبنا له يسأله ويصدقه: لأن ما أجا ب به النبي ﷺ لا يعرف إلا من جهته، وليس هذا السائل ممن عرف بلقاء النبي ﷺ والسماع منه. ثم هو قد سأل سؤال عارف بما يسأل عنه. لأنه لم يخبره بأنه صادق فيه.
1 / 8
أن تؤمن بالله: أنه متصف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقائص. لا شريك له.
وملائكته: أنهم كما وصفهم الله: عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
وكتبه: أنها كلام الله، وأن ما تضمنته حق.
ورسله: أنهم صادقون، وأنهم بلغوا كل ما أمرهم الله بتبليغه.
واليوم الآخر: يوم القيامة بما أشتمل عليه من البعث والحساب والميزان والصراط والجنة والنار، إلى غير ذلك مما صحت فيه النصوص.
وتؤمن بالقدر خيره وشره: أن الله علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في عمله أن يوجد، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته، خيرا كان أو شرا، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطئك لم يكن ليصيبك.
فإن لم تكن تراه فإنه يراك: أي فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك.
عن الساعة: متى تقوم. والمراد بالساعة يوم القيامة.
ما المسئول عنها بأعلم من السائل: لا أعلم وقتها أنا ولا أنت، بل هو مما استأثر الله بعلمه.
أماراتها: بفتح الهمزة: علاماتها.
أن تلد الأمة ربتها: سيدتها فسر هذا باتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاك الشرك فيكثر التسرى، فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه بأبيه، وفسر أيضا بكثرة العقوق: حتى يعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام. واختاره الحافظ ابن حجر قال: لأن المقام يدل على
1 / 9
أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة، وذكر أن التسرى كان موجود حين المقالة، فحمل الحديث عليه فيه نظر.
الحفاة: جمع حاف. وهو غير المنتعل.
العراة: جمع عار، وهو من لا شيء على جسده.
العالة: الفقراء.
رعاء الشاء: بكسر الراء. حراسها، والشاء: جمع شاة.
يتطاولون في البنيان: يتفاخرون في تطويل البنيان ويتكاثرون به.
فلبثت: أقمت بعد انصرافه.
مليا: بتشديد الياء. زمانا كثيرا، تبينه رواية النسائي والترمذي: (فلبثت ثلاثا)
يعلمكم دينكم: كليات دينكم.
يستفاد منه:
١ - تحسين الثياب والهيئة والنظافة عند الدخول على الفضلاء، فإن جبريل أتى معلما للناس بحاله ومقاله.
٢ - الرفق بالسائل وإدناؤه، ليتمكن من السؤال غير منقبض ولا هائب.
٣ - سؤال العالم مالا يجهله السائل، ليعلمه السامع.
٤ - بيان الإسلام والإيمان والإحسان، وتسميتها كلها دينا.
٥ - التفرقة بين مسمى الإسلام، ومسمى الإيمان، حيث جعل الإسلام في الحديث اسما لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسما لما بطن منها، وقد جمع العلماء بين هذا وبين ما دلت عليه النصوص المتواترة من كون الإيمان قولا وعملا، بأن هذين الاسمين إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده،
1 / 10
وإذا قرن بينها دل أحدهما على بعض ما يدل عليه بانفراده ودل الآخر على الباقي.
٦ - وجوب الإيمان بالقدر، وهو على درجتين إحداهما - الإيمان بأن الله سبق في علمه ما يعلمه العباد من خير وشر وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإيجادهم، ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو منهم من أهل النار، وأعد لهم الثواب والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه. الثانية - أن الله خلق أفعال العباد كلها من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان. وشاءها منهم، ومع ذلك لا يحتج به في المعاصي.
٧ - أن وقعت قيام الساعة مما استأثر الله بعلمه.
٨ - أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلمه. ولا يعبر بعبارات مترددة بين الجواب والاعتراف بعد م العلم، وأن ذلك لا ينقصه، بل هو دليل على ورعه وتقواه، وعد تكثره بما ليس عنده.
٩ - أن من أشراط الساعة انعكاس الأمور بحيث يصير المربي مربيا. والسافل عاليا.
١٠ - أن السؤال الحسن يسمى علما وتعليما، لقول النبي ﷺ في جبريل: «يعلمكم دينكم، مع أنه لم يصدر منه سوى السؤال».
1 / 11
الحديث الثالث
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد ارسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم.
المفردات:
بني: أسس.
على خمس: دعائم.
شهادة أن لا إله إلا الله: في رواية «بني الإسلام على خمس على ان يعبد الله ويكفر بما دونه»، وهي مبينه لمعنى كلمة التوحيد.
وإقام الصلاة: المداومة عليها بشروطها.
وإيتاء الزكاة: إعطائها لمستحقيها.
وحج البيت: قصده لأداء النسك المعدود من أركان الإسلام وصوم رمضان: الإمساك نهاره عن المفطرات بنية.
يستفاد منه:
١ - معرفة أركان الدين، وهو داخل في ضمن حديث جبريل المتقدم.
٢ - أن هذه الفروض الخمسة من فروض الأعيان، لا تسقط بإقامة البعض عن الباقين.
٣ - جواز إطلاق رمضان من غير لفظ (شهر).
1 / 12
الحديث الرابع
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: حدثنا رسول الله ﵌ وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكو علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» رواه البخاري ومسلم.
المفردات:
الصادق: المخبر بالحق.
المصدوق: الذي صدقه الله وعده.
إن أحدكم: بكسر همزة «إن» على حكاية لفظ النبي ﷺ، ويجوز الفتح.
1 / 13
يجمع خلقه: بضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار. والمراد بالخلق مادته، وهو الماء الذي يخلق منه.
في بطن أمه: في رحمها.
نظفه: منيا. وأصل النطفة: الماء القليل.
علقة: قطعة دم.
مثل ذلك: الزمن، وهو الأربعون.
مضغة. قطعة لحم.
مثل ذلك: الزمن، وهو الأربعون.
ثم يرسل إليه الملك: الموكل بالرحم.
بكتب: ضبط بوجهين: أحدهما بموحدة مكسورة وكاف مفتوحة مثناة ساكنة ثم موحدة، على البدل. والأخر مفتوحة بصيغة المضارع، وهو أوجه: لأنه وقع في رواية «فيؤذن بأربع كلمات فيكتب» وكذا في رواية أبي داود وغيره.
رزقه: تقديره، قليلا أو كثيرا، وصفته حراما أو حلالا.
وأجله: طويلا كان أو قصيرا، وهو مدة الحياة.
وعمله: صالحا كان أو فاسدا.
وشقي أو سعيد: بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي هو شقي أو سعيد والمراد أنه تعالى يظهر ما ذكر من الرزق والأجل والعمل والشقاوة والسعادة للملك، ويأمره بكتابته وإنفاذه.
بعمل أهل الجنة: من الطاعات.
حتى ما يكون: حتى هنا ناصبة، وما نافية. ويجوز رفع (يكون) على أن (حتى) ابتدائية.
فيسبق عليه الكتاب: يغلب عليه ما تضمنه.
بعمل أهل النار: من المعاصي
1 / 14
يستفاد منه:
١ - الإشارة إلى علم المبدأ والمعاد، وما يتعلق ببدن الإنسان وحاله في الشقاوة والسعادة.
٢ - القسم على الخبر الصادق لتأكيده في نفس السامع.
٣ - التنبيه على صدق البعث بعد الموت، لأن من قدر على خلق الشخص من ماء مهين ينقله إلى العلقه ثم إلى المضغة ثم ينفخ الروح فيه، قادر على نفخ الروح فيه بعد أن يصير ترابا، وجمع أجزائه بعد تفريغها، ولقد كان قادرا على أن يخلقه دفعة واحدة. ولكن اقتضت الحكمة نقله في الأطوار المذكورة رفقا بالأم، لأنها لم تكن معتادة فكانت المشقة تعظم عليها، فهيأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل. ومن تأمل أصل خلقته كان حقا عليه أن يعبد ربه حق عبادته، ويطيعه ولا يعصيه.
٤ - إثبات القدر، وأن جميع الواقعات بقضاء الله وقدره: خيرها وشرها.
٥ - الحث على القناعة. والزجر على الحرص الشديد، لأن الرزق قد سبق تقد يره، وإنما شرع الاكتساب لأنه من جملة الأسباب التي اقتضتها الحكمة في دار الدنيا.
٦ - أنه لا ينبغي لأحد أن يغتر بظاهر الحال لجهالة العاقبة، ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين وحسن الخاتمة.
٧ - أن التوبة تهدم ما قبلها.
٨ - أن من مات على شيء حكم له به من خير أو شر، إلا أن أصحاب المعاصي غير الكفر تحت المشيئة.
٩ - الشقاوة والسعادة قد سبق الكتاب بهما، وأنهما مقدرتان بحسب خواتم الأعمال، وأن كلا ميسر لما خلق له.
1 / 15
الحديث الخامس
عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﵌: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
المفردات:
أحدث: أنشأ واخترع.
في أمرنا: ديننا.
ما ليس منه: من الدين، بأن لا يشهد له شيء من أدلة الشرع وقواعده العامة.
فهو: الأمر المحدث.
رد: مردود غير مقبول: من إطلاق المصدر وإرادة إسم المفعول.
يستفاد منه:
١ - رد كل محدثة في الدين لا توافق الشرع، وفي الرواية الثانية التصريح بترك كل محدثة سواء أحدثها فاعلها أو سبق إليها، فإنه قد يحتج بعض المعاندين إذا فعل البدعة يقول: ما أحدثت شيئا، فيحتج عليه بالرواية الثانية (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، وينبغي حفظ هذا الحديث، واستعماله في رد المنكرات.
1 / 16
٢ - أن كل ما شهد له شيء من أدلة الشرع أو قواعده العامة ليس يرد بل هو مقبول.
٣ - إبطال جميع العقود المنهي عنها، وعدم جود ثمراتها المترتبة عليها.
٤ - أن النهي يقتضي الفساد، لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها.
٥ - أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر، لقوله (ليس عليه أمرنا) والمراد به الدين.
٦ - أن الصلح الفاسد منتقض، والمأخوذ عنه مستحق للرد.
1 / 17
الحديث السادس
عن أبي عبد الله النعمان بن بشير ﵄ قال سمعت رسول الله ﵌ يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». رواه البخاري ومسلم.
المفردات:
الحلال: وهو ما نص الله ورسوله، أو أجمع المسلمون على تحليله. أو لم يعلم فيه منع.
بين: ظاهر.
الحرام: وهو ما نص أو أجمع على تحريمه، أو على أن فيه حدا أو تعزيزا، أو وعيدا.
أمور: شئون وأحوال.
مشتبهات: ليست بواضحة الحل ولا الحرمة.
1 / 18
لا يعلمهن كثير من الناس: في راية الترمذي، لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام.
اتقى الشبهات: تركها وحذر منها. وفيه إيقاع الظاهر موقع المضمر تفخيما لشأن اجتناب الشبهات، إذا هي المشتبهات بعينها.
استبرأ لدينه: طلب البراءة له من الذم الشرعي وحصلها له.
وعرضه: يصونه عن كلام الناس فيه بما يشينه ويعيبه. والعرض: موضع المدح والذم من الإنسان.
ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام: إي إذا اعتادها واستمر عليها. أدته إلى التجاسر إلى الوقوع في الحرام.
حول الحمى: المحمى المحظور عن غير مالكه.
يرتع فيه: بفتح التاء، تأكل ماشيته منه فيعاقب.
وأن لكل ملك: من ملوك العرب.
حمى: موضعا يحميه عن الناس، ويتوعد من دخل إليه أو قرب منه، بالعقوبة الشديدة.
محارمه: جمع محرم، وهو فعل المنهي عنه، أو ترك المأمور به الواجب.
ألا: حرف استفتاح، يدل على تحقق ما بعدها. وفي تكرير ها دليل على عظم شأن مدخولها وعظم موقعه.
مضغة: قطعة لحم.
صلحت: بفتح اللام وضمها، والفتح أشهر وقيد بعضهم الضم بالصلاح الذي صار سجية.
يستفاد منه:
١ - الحث على فعل الحلال.
٢ - اجتناب الحرام والشبهات.
1 / 19
٣ - أن للشبهات حكما خاصا بها، عليه دليل شرعي يمكن أن يصل إليه بعض الناس وإن خفي على الكثير.
٤ - المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة.
٥ - أن من لم يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه فقد عرض نفسه للطعن فيه، ويعتبر هذا الحديث من أصول الجرح والتعديل لما ذكر.
٦ - سد الذرائع إلى المحرمات، وأدلة ذلك في الشريعة كثيرة.
٧ - ضرب الأمثال للمعاني الشرعية العملية.
٨ - التنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على إصلاحه، فإن أمير البدن بصلاحه يصلح، وبفساده يفسد.
٩ - إن لطيب الكسب أثرا في إصلاحه.
1 / 20
الحديث السابع
عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله تعالى عنه أن النبي ﵌ قال: «الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم.
المفردات:
الدين: دين الإسلام.
النصيحة: تصفية النفس من الغش للمنصوح له.
قلنا: معشر السامعين.
لله: بالإيمان به ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، وتنزيهه عن جميع النقائص. والرغبة في محابه بفعل طاعته، الرهبة من مساخطه بترك معصيته، والاجتهاد في رد العصاة إليه.
ولكتابه: بالإيمان، بأنه كلامه وتنزيله، وتلاوته حق تلاوته وتعظيمه، والعمل بما فيه والدعاء إليه. ولرسوله: بتصديق رسالته، والإيمان بجميع ما جاء به وطاعته، وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها، والإقتداء به في أقوله وأفعاله، ومحبته ومحبة أتباعه.
ولأئمة المسلمين: الولاة بإعانتهم على ما حملوا القيام به وطاعتهم وجمع الكلمة عليهم، وأمرهم بالحق ورد القلوب النافرة إليهم، وتبليغهم حاجات المسلمين، والجهاد معهم
1 / 21
والصلاة خلفهم، وأداء الزكاة إليهم وترك الخروج عنهم بالسيف إذا ظهر منهم حيف، والدعاء لهم بالصلاح. وأما أئمة العلم فالنصيحة لهم بث علومهم ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم.
وعامتهم: بالشفقة عليهم، وإرشادهم إلى مصالحهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وكف الأذى عنهم، وأن بحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.
يستفاد منه:
١ - الأمر بالنصيحة.
٢ - أنها تسمى دينا وإسلاما.
٣ - أن الدين يقع على العمل كما يقع على القول.
٤ - أن للعالم أن يكل فهم ما يلقيه إلى السامع، ولا يزيد له في البيان حتى يسأله السامع لتشوق نفسه حينئذ إليه، فيكون أوقع في نفسه مما إذا هجمه به من أول وهلة.
1 / 22
الحديث الثامن
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى» رواه البخاري ومسلم.
المفردات:
أمرت: أمرني ربي، لأنه لا آمر لرسول الله ﷺ إلا الله ﷿.
أن أقاتل: بأن أقاتل، وحذف الجار من (أن) كثير.
الناس: المشركين من غير أهل الكتاب، لرواية النسائي «أمرت أن أقاتل المشركين حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، يبين معنى هذه الكلمة، رواية مسلم عن طارق (من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه).
ويقيموا الصلاة: يداوموا على الإتيان بها بشروطها. والمراد بالصلاة هنا المفروضة لا جنسها.
ويؤتوا الزكاة: يعطوا الزكاة المفروضة لمستحقيها.
فإذا فعلوا ذلك: عبر بالفعل هنا عما بعضه قول على سبيل التغليب) أو إرادة المعنى الأعم، إذ القول فعل اللسان.
1 / 23