نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين
نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين
প্রকাশক
مكتبة ابن تيمية
সংস্করণের সংখ্যা
١٤٠٠ هـ
প্রকাশনার বছর
١٩٨٠ م
প্রকাশনার স্থান
الكويت
জনগুলি
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ... أما بعد:
فيقول الفقير إلى اللَّه أحمد بن حجر: "أنه قد ورد إلي سؤال من أخ عماني فاضل يقول فيه: كنت بالأمس أطالع فصلًا من كتاب (ضحى الإسلام للأستاذ أحمد أمين) عن المعتزلة وفلسفتهم الكلامية ومسائلهم الاعتقادية، ومنها مسألة خلق القرآن، وفي هذه المسألة استوقفت نظري العبارة التالية -نقلها عن الحنابلة في (ج٣ ص٣٩) وهي (وفريق آخر من بعض الحنابلة زعم أن القرآن بحروفه وأصواته قديم وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم جهلًا: الجلد والغلاف قديمان فضلًا عن المصحف) .
وأشار إلى أنه نقلها من كتاب المواقف (ج٣ ص٧٦) .
كما أن الرأي نفسه نقل عنهم من كتاب (نهاية الإقدام) للشهرستاني (ص٣١٣) في عبارة مماثلة فما هو نصيب هذا النقل من الصحة؟ وما هو موقف الفحول الكبار كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من هذا القول؟
أرجو من فضيلتكم توضيح هذه المسألة من جميع جوانبها وإعطائها حقها من البحث والتحليل والتحقيق، والله يرشدكم إلى الصواب ...
1 / 3
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى الأئمة المهتدين أجمعين:
أما بعد: فقد كنت أجبت عن هذا السؤال الذي أرسله أخونا الفاضل العماني في عام ١٣٩١هـ - والآن بدا لي أن أراجع السؤال والجواب وأعيد النظر فيهما، وبالفعل قمت بالنظر في السؤال والجواب، وزدت في بعض مواضع الجواب زيادة في الفائدة للقراء والواقفين على هذا السؤال والجواب- أسأل اللَّه أن ينفع بهذا الجواب الشافي، وأن يثيبني في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى اللَّه بقلب سليم.
فأقول وبالله التوفيق:
قد وقفت على ما ذكره أحمد أمين في كتابه (ضحى الإسلام - الجزء الثالث) فإذا هو كما ذكره السائل عنه فقد نقل عن (المواقف) (ونهاية الإقدام) للشهرستاني ما نسباه إلى بعض الحنابلة مما هو مذكور في السؤال بالنص الذي ذكره أحمد أمين، ولكن بالرجوع إلى كتاب المواقف لعضد الملة والدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، وجدت عبارته في المقصد السابع في أن اللَّه متكلم، قال "بعد عبارات ساقها، ثم قال الحنابلة" كلامه حرف وصوت، يقومان بذاته وأنه قديم، وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم جهلًا: الجلد والغلاف قديمان فضلًا عن المصحف.
فإذا قارنا بين ما نقله أحمد أمين عن المواقف وبين عبارة المواقف وجدنا في العبارة فرقًا؛ لأن عبارة أحمد أمين تقول "وفريق آخر من
1 / 7
بعض الحنابلة زعم، وعبارة المواقف، وقال الحنابلة" ولم تقل للعبارة، وفريق آخر من بعض الحنابلة، ولم تقل زعم بل قالت "قال الحنابلة" وقال: إن القرآن بحروفه وأصواته قديم، والحال أن عبارة المواقف كلامه حرف وصوت يقومان بذاته، وأنه قديم، ولم تقل العبارة: القرآن بحروفه وأصواته قديم، ولا شك أن بين العبارتين فرقا، وبيانه أن قوله: بحروفه إن كان الضمير راجعا للقرآن فهو معقول، لكن وأصواته، فإن كان الضمير للقرآن فهو فاسد، لأن القرآن لا صوت له، وإن كان يقصد صوت القارئ فلم تقل الحنابلة بقدمه كما سيأتي، وعبارة المواقف ليس فيها إضافة إلى الضمير حتى يرد عليها ما يرد على ما نقله أحمد أمين، وإنما قصد صاحب المواقف أن يقول: إن الحنابلة تقول: "كلام اللَّه قديم مع كونه بصوت وحرف خلافًا للأشاعرة" ولا تعطي عبارته صوت القارئ وأنه قديم، وإن بعضهم نسب إليهم هذا.
فعبارة أحمد أمين توحي أن كلام المواقف حول القرآن، وليس الأمر كذلك، بل عبارة المواقف عن كلام اللَّه من حيث هو بقطع النظر عن القرآن وغيره، ومن المقارنة بين العبارتين يتبين بكل وضوح أن أحمد أمين لم يتحر الدقة في النقل، ولعله نقل بالمعنى وتصرف فيه، أما قوله: نقلا عن المواقف وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم جهلا: الجلد والغلاف قديمان، فهذه العبارة نقلها صحيح من المواقف (أما كلمة فضلا عن المصحف) فهذه الكلمة من الشراح وليست من متن المواقف.
وها أنا أشرع في الجواب بعون الملك الوهاب، فأقول إن هذا السؤال يشتمل على مسألتين:
(الأولى): قوله (وفريق آخر من بعض الحنابلة زعم أن القرآن بحروفه وأصواته قديم) .
1 / 8
فيقال في الجواب: قوله (بحروفه) إن كان الضمير راجعا للقرآن فهو معقول، لكن (وأصواته) فإن كان الضمير للقرآن فهو فاسد كما سبق، لأن القرآن لا صوت له، فماذا يقصد الكتاب أو الناقل، من هذه العبارة.
فإن كان يقصد صوت القارئ، فما هنا مرجع إليه، والمرجع هنا هو القرآن، وإن كان يقصد صوت القارئ:
فجوابه:
لم يقل أحد من الحنابلة أن صوت القارئ قديم -كما سيأتي- بل إطلاق القديم على كلام اللَّه لم يرد عن السلف، ولا عن الإمام أحمد، ولا محققي الصحابة.. نعم قد يطلق بعضهم لفظ قديم على كلام اللَّه تجاوزًا ويقصد بذلك أنه غير مخلوق كما سيأتي في كلام ابن قدامة والسفاريني.
وإنما يقولون: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
(ثانيًا) لا مرجع للضمير هنا إلا القرآن -كما سبق- نعم هناك قول لطائفة من أهل الكلام والحديث: أن كلام اللَّه بقطع النظر عن القرآن حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل.
وهذا كما ترى ليس من قول الحنابلة، وعلى الفرض أن بعض الحنابلة قال به، فليس خاصا بالحنابلة ولا بالقرآن، على أنه غير معقول ولا مؤيد بالدليل.
أما المسألة الثانية وهي: (وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم جهلًا: الجلد والغلاف قديمان فضلًا عن المصحف) .
وأشار أحمد أمين إلى أنه نقلها من كتاب المواقف ج٣، ومن نهاية الإقدام للشهرستاني.
1 / 9
افتراء بعض المتكلمين على الحنابلة
فالجواب:
ليست هذه أول فرية افتراها بعض المتكلمين الذين خالفوا مذهب السلف القويم، وتأثروا بآراء الفلاسفة فزعم بعضهم أن الحنابلة يمثلون الرب بخلقه، أو يجسمونه، تعالى اللَّه عن قولهم علوا كبيرا ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾، فقد افترى عليهم سالفًا الراضي العباسي وبعض وزرائه وإلى القارئ البيان:
قال ابن الأثير في حوادث سنة ٣٢٣هـ.
1 / 10
ذكر فتنة الحنابلة ببغداد
وفيها عظم أمر الحنابلة وقويت شوكتهم وصاروا يكبسون من دور القواد العامة، وإن وجدوا نبيذًا أراقوه، وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء واعترضوا في البيع والشراء ومشي الرجال مع النساء والصبيان، فإذا رأوا ذلك سألوا عن الذي معه من هو؟ فإن أخبرهم وإلا ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة، إلى أن قال: فخرج توقيع الراضي بما يقرأ على الحنابلة ينكر عليهم فعلهم ويوبخهم باعتقاد التشبيه وغيره - ا. هـ.
وهنا نسب إليهم أنهم يشبهون اللَّه بخلقه، وأن هيئتهم على هيئة رب العالمين، وأنهم يطعنون على خيار الأئمة، وينسبون آل محمد إلى الكفر، وينكرون زيارة قبور الأئمة ويقولون بنزول اللَّه في كل ليلة إلى السماء الدنيا.
1 / 11
ويظهر أن صاحب الشرطة أو الوزير نقل إلى الخليفة الراضي العباسي عن الحنابلة ما ليس صحيحا في نفس الأمر، ومن أجل ذلك نسب الراضي إليهم ما نسب، ومن جراء ما شحنوه بالأكاذيب والافتراءات عليهم قال في توقيعه (يعني منشوره) الذي نشره تحذيرًا لهم: وأمير المؤمنين يقسم باللَّه قسمًا جهدًا إليه يلزم الوفاء به لئن لم تنتهوا عن مذموم مذهبكم ومعوج طريقتكم ليوسعنكم ضربًا وتشريدًا أو قتلًا وتبديدًا
1 / 12
وليستعملن السيف في رقابكم، والنار في منازلكم (من الكامل الجزء السادس) .
وزعم بعضهم أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يعظ على منبر جامع دمشق، وقرأ حديث النزول وقال: "ينزل كنزولي هذا" -يقصد أنه مشبه- وسيأتي رد هذا الزعم.
إن خصوم السلف وهم المعطلة من الجهمية والمعتزلة، يرمون السلف الذين يثبتون للَّه الصفات الواردة في الكتاب وفي صحيح السنة بالتجسيم والتمثيل، لأن هذه الصفات -بزعمهم- من صفات المخلوقين حتى زعم الشهرستاني أن مثبتة الصفات من السلف، قد آل ببعضهم الإثبات إلى التشبيه.
وخصصت ذكر الحنابلة، لأنهم هم أكثر الذين يمثلون مذهب السلف ويناضلون عنه سائر الفرق الضالة؛ إذ الممثل يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والموحد يعبد إله الأرض والسماء.
وبرأ اللَّه أهل السنة والجماعة والسلف من أنهم يمثلون اللَّه بخلقه أو يشبهونه.
1 / 13
والشهرستاني على جلالة قدره في علم الكلام لم يحقق مذهب السلف، ولو حقق لعرف أنهم أبرياء مما نسب إليهم؛ إذ المعطلة والمشبهة والمجسمة هم من أهل البدع والضلال، بل قد تؤول عقيدة بعضهم إلى الكفر.
وهذه النسب الكاذبة إلى الحنابلة من دعوى التشبيه والتجسيم حصلت أيام الفتن والنزاع بين الحنابلة والشافعية وبين الحنابلة والحنفية وإليك تأييدًا لما قلت ما ذكره ابن الأثير في حوادث ٤٧٥.
1 / 14
ذكر الفتنة ببغداد بين الشافعية والحنابلة
ورد إلى بغداد هذه السنة الشريف أبو القاسم البكري المغربي الواعظ وكان أشعري المذهب، وكان قد قصد نظام الملك فأحبه ومال إليه وسيره إلى بغداد وأجرى عليه الجراية الوافرة فوعظ بالمدرسة النظامية، وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم ويقول: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ والله ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا، ثم إنه قصد يوما دار قاضي القضاة أبي عبد اللَّه الدامغاني بنهر القلائين فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة وكثر جمعه فكبس دور بني الفراء وأخذ كتبهم وأخذ منها كتاب الصفات لأبي يعلى فكان يقرأ بين يديه وهو جالس على الكرسي للوعظ فيشنع به عليهم، وجرى له معهم خصومات وفتن ولقب البكري من الديوان بعلم السنة ومات ببغداد ودفن عند قبر أبي الحسن الأشعري (انتهى من الكامل لابن الأثير الجزء الثاني) .
1 / 15
أقول: لقد ابتلي المسلمون بمثل هؤلاء العلماء كأبي القاسم البكري السالف الذكر الذين جمدوا على التقليد ونبذوا الأخذ بالدليل، وفرقوا من جراء ذلك شمل المسلمين بتعصبهم الممقوت لمذهبهم وعقيدتهم، وإن كان في نفس الأمر فيها وفي المذهب ما يخالف الكتاب والسنة الصحيحة كاعتقادهم تأويل آيات الصفات جريا وراء مذهب المعتزلة والجهمية، والتقليد في الفروع ولو خالف نص الكتاب والسنة في بعض المسائل وإلا فلو لم يكن فيهم هذا الداء الوبيل، داء التأويل والتعطيل والتقليد ما عاب أبو القاسم الحنابلة ولا ذمهم، فأي عيب فيهم ومذهبهم في الأصول والفروع معروف، مذهبهم في العقيدة هو المذهب الصحيح من الإيمان باللَّه وبأسمائه وصفاته كما جاء في الكتاب والسنة إيمانا لا يشوبه تعطيل ولا تمثيل وحاشاهم عن التشبيه والتمثيل، وكذب أبو القاسم فيما عابه به عليهم وعفا اللَّه عنه.
وقال بعضهم، ناسبا إلى الحنابلة: إن القرآن قديم: وأصوات القراء قديمة، بل والمداد الذي يكتبون به قديم، بل زعم بعضهم بقدم الجلد والغلاف، حتى تهكم بعضهم وقال: ما بالهم لا يقولون بقدم الكاتب والمجلد، إلى غير ذلك من
1 / 16
الافتراءات الباطلة، والاختلاقات الكاذبة التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان.
وما أدري كيف يوثق بعلم هؤلاء وبكتبهم وهم يفترون هذه الأكاذيب على جمهور من المسلمين، وصفوة أمة محمد سيد المرسلين.
وكيف ينقل زيد بن عمرو، وعمرو عن خالد من غير أن يرجع إلى كتب من نقل عنهم هذا القول ونسب إليهم؟ ... وكيف يكون المرء عالما محققا، إذا لم يمحص البحث ويحققه من جميع نواحيه، وينسب الأقوال إلى مصادرها الموثوقة؟.
أما مجرد أن يرى عبارة في كتاب لعالم يقول فيها قال العالم الفلاني، أو في المذهب الفلاني كذا، بدون ذكر المصدر فينقلها ناسبًا إياها إلى ذلك العالم أو المذهب، جازمًا بصحتها، فلا يكون محققا، ولا ينبغي أن يوثق بكلامه أو نقله، لأنه لم يبنه على دليل صحيح من نقل صحيح أو عقل رجيح.
فهؤلاء الذين نسبوا إلى الحنابلة هذه الأقوال السخيفة، التي لا تصدر إلا عن ملحد أو مبتدع ضال أرعن يعوزهم إثبات ذلك بنقل صحيح من
1 / 17
مصدر موثوق به، وها أنا بعون اللَّه وتوفيقه أبين بطلان هذه النسب الكاذبة التي لم يخش اللَّه ناسبوها ولم يتصفوا بالحياء ولا بالعقل الرجيح، فأقول وبالله التوفيق:
لا يخفى أن الحنابلة إمامهم أحمد بن حنبل، والإمام أحمد لم تخف مكانته العلمية، واتباعه للسنة المطهرة في عقائده وأقواله وأفعاله ومذهبه، وله مؤلفات عديدة، ولابنه عبد اللَّه مؤلفات، وقد بنى مذهبه في الأصول أعني العقائد - على الكتاب والسنة الصحيحة.
وإليك الآن بيان مذهب أحمد وعقيدته وأتباعه في الأصول والفروع، وأن عقيدتهم تمثل مذهب السلف الصالح، كما أن مذهبهم في الفروع مؤيد بالكتاب والسنة وبالإجماع والقياس الصحيح.
1 / 18
(مذهب الإمام أحمد وأتباعه في الأصول والفروع)
الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه تعالى هو الذي أظهر مذهب السلف وناضل عنه، -وإن كانت الأئمة كلهم ﵏ على ذلك- فالإمام أحمد وأتباعه تابعون للسلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، لا يؤولون في صفات اللَّه ولا يشبهون اللَّه بخلقه، ولا يكيفون بل يقولون نؤمن بما ورد، فالكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن ذاته المقدسة لا تشبه ذوات المخلوقين فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين، فيقولون للَّه علم يليق به، وللمخلوقين علم يليق بهم، وليس علم اللَّه كعلم المخلوق، ولله سمع يليق به، وللمخلوقين سمع يليق بهم، وليس سمع اللَّه كسمع المخلوق وهكذا سائر الصفات.
1 / 19
ومن صفاته الكلام، فيقولون: كلام اللَّه لا يشبه كلام المخلوق وكلام اللَّه غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
ومن المستحسن أن أذكر مذهب الإمام أحمد وأتباعه في الأصول، أعني العقائد باختصار: وذلك أنهم يؤمنون باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فيشهدون أن
1 / 20
الله هو الرب الإله المعبود، المنفرد بكل كمال فيعبدونه وحده مخلصين له الدين.
فيقولون أن اللَّه هو الخالق البارئ المصور الرزاق المعطي المانع المدبر لجميع الأمور.
وأنه المألوه المعبود الموحد المقصود، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء.
وأنه العلي الأعلى بكل معنى واعتبار، علو الذات وعلو القدر، وعلو القهر.
وأنه على العرش استوى استواء يليق بعظمته وجلاله، ومع علوه المطلق وفوقيته، فعلمه محيط بالظواهر والبواطن والعالم العلوي والسفلي، وهو مع العباد بعلمه، يعلم جميع أحوالهم، وهو القريب المجيب.
وأنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، والكل إليه مفتقرون في إيجادهم وإيجاد ما يحتاجون إليه في جميع الأوقات، ولا غنى لأحد عنه طرفة عين وهو الرؤوف الرحيم، الذي ما بالعباد من نعمة دينية ولا دنيوية ولا دفع نقمة إلا من الله، فهو الجالب للنعم الدافع للنقم.
1 / 21
ويصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به -رسول اللَّه ﷺ من الصفات الذاتية، كالحياة الكاملة والسمع والبصر، وكمال القدرة والعظمة والكبرياء والمجد والجلال والجمال، والحمد المطلق، ومن صفات الأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته كالرحمة والرضا، والسخط، وأنه يتكلم بما يشاء وكيف يشاء، وكلماته لا تنفد ولا تبيد.
وأن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
وأنه لم يزل ولا يزال موصوفًا بأنه يفعل ما يريد، ويتكلم بما شاء، ويحكم على عباده بأحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية، فهو الحاكم المالك، ومن سواه مملوك محكوم عليه، فلا خروج للعباد عن ملكه ولا عن حكمه.
ويؤمنون بما جاء به الكتاب وتواترت به السنة، أن المؤمنين يرون ربهم تعالى عيانًا جهرة، وأن نعيم رؤيته والفوز برضوانه أكبر النعيم واللذة.
1 / 22
وأن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلد في نار جهنم أبدا، وأن أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم ولا شفاعة، فإنهم وإن دخلوا النار لا يخلدون فيها، ولا يبقى في النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان إلا خرج منها.
وأن الإيمان يشمل عقائد القلوب وأعمالها، وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، فمن قام بها على الوجه الأكمل فهو المؤمن حقا، الذي استحق الثواب وسلم من العقاب، ومن انتقص منها شيئا نقص من إيمانه بقدر ذلك، ولذلك كان الإيمان يزيد بالطاعة وفعل الخير، وينقص بالمعصية والشر.
ويشهدون أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله اللَّه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو خاتم النبيين، أرسل إلى الإنس والجن بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللَّه بإذنه وسراجًا منيرًا، أرسله بصلاح الدين وصلاح الدنيا، وليقوم الخلق بعبادة اللَّه ويستعينوا برزقه على ذلك.
ويعلمون أنه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم وأعظمهم بيانا، فيعظمونه، ويقدمون محبته
1 / 23
على محبة الخلق كلهم، ويتبعونه في أصول دينهم وفروعه.
ويقدمون قوله وهديه على قول كل أحد وهديه.
ويعتقدون أن اللَّه جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد، فهو أعلى الخلق مقاما وأعظمهم جاهًا، وأكملهم في كل فضيلة، لم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرهم عنه.
وكذلك يؤمنون بكل كتاب أنزله الله، وكل رسول أرسله الله، لا يفرقون بين أحد من رسله ويؤمنون بالملائكة وأنهم عباد اللَّه المكرمون ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ .
ويؤمنون بالقدر كله، وأن جميع أعمال العباد خيرها وشرها، قد أحاط بها علم الله، وجرى بها قلمه، ونفذت فيهما مشيئته، وتعلقت بها حكمته، حيث خلق للعباد قدرة وإرادة تقع بها أقوالهم وأفعالهم حسب مشيئتهم لم يجبرهم على شيء منها بل جعلهم مختارين لها، وخص المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان بعدله وحكمته.
1 / 24
ويؤمنون بيوم البعث وإحياء اللَّه الموتى للحساب والجزاء، ويؤمنون بالشفاعة العظمى للرسول ﷺ، وسائر الشفاعات الثابتة، وبالصراط والميزان والجنة والنار، كما جاء في القرآن وصحت الأحاديث عن النبي المختار.
ويؤمنون بأن أفضل الأمم أمة محمد ﷺ، وأفضلهم أصحاب رسول اللَّه ﷺ خصوصا الخلفاء الراشدين، والعشرة المشهود لهم بالجنة، وأهل بدر، وبيعة الرضوان، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.
ويحبون الصحابة ويدينون اللَّه به وينشرون محاسنهم ويسكتون عما شجر بينهم، ويدينون اللَّه باحترام العلماء الهداة وأئمة العدل، ومن لهم المقامات العالية في الدين والفضل المتنوع على المسلمين، ويسألون اللَّه أن يعيذهم من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات.
هذه الأصول الكلية بها يؤمنون ولها يعتقدون وإليها يدعون. (من القول السديد لعلامة القصيم عبد الرحمن بن ناصر السعدي من
1 / 25