Refutation of Al-Rifa'i and Al-Buti in Their Lies Against the Sunnis and Their Call to Innovations and Misguidance
الرد على الرفاعي والبوطي في كذبهما على أهل السنة ودعوتهما إلى البدع والضلال
প্রকাশক
دار ابن الأثير،الرياض
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٢١هـ/٢٠٠٠م
প্রকাশনার স্থান
المملكة العربية السعودية
জনগুলি
الرَّدٌّ على الرفاعي والبوطي في كذبهما على أهل السنة ودعوتهما إلى البدع والضلال
إعداد: عبد المحسن بن حمد العباد البدر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام الأتَمَّان الأكملان على سيِّد المرسَلين وإمام المتقين، نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تَبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقد اطَّلعتُ على أوراقٍ للكاتب الأستاذ يوسف هاشم الرِّفاعي سوَّدها بِما زعمَ أنَّه نصيحةٌ لعلماء نَجد، أَفرَغ فيها ما في جُعبتِه وجُعَبِ الذين تعاونوا معه على الإثمِ والعدوان، من تهجُّمٍ على مَن زعم نُصحَهم وكذبٍ عليهم ودعوةٍ إلى البدعِ والضلال، وكأنَّه لَم يَجد في بلدِه الكويت مَن يَشُدُّ أَزرَه على وِزرِه، فيَمَّم نحوَ الشام ليجِد في الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بُغيتَه المطلوبة وضالَّتَه المنشودة، فيُقدِّمَ لأوراقِه، ويتَّفِقَ معه في الوقيعة
1 / 3
بالمتمسِّكين بالكتاب والسُنَّة وما كان عليه سلف الأمَّة.
وقبل مناقشتِه في كثير مِمَّا اشتَملت عليه أوراقُه أُشيرُ إجمالًا إلى أمور هي:
١ جعل الكاتبُ ما زعمه نصيحةً موجَّهًا لعلماء نجد، وهو في الحقيقةِ موجَّهٌ لكلِّ ملتزمٍ بالكتاب والسُنَّة وما كان عليه سلفُ الأمَّة.
٢ أَورَدَ الكاتبُ أمورًا عابَها على مَن زعم نصحَهم، وهي من الحقِّ الذي لَم يُوفَّق للهدايةِ إليه هداه الله وأصلح حالَه.
٣ أورَدَ أمورًا هي من البدعِ ومُحدَثات الأمور عاب على مَن زعم نصحَهم عدمَ الأخذِ بها، ودعوتَهم إلى تركِها والابتعادِ عنها.
٤ عاب على مَن زعم نصحَهم أمورًا لا حقيقةَ لها، وهم بُرآءُ منها.
٥ أورَد أمورًا لاحَظَها على فردٍ أو أفرادٍ وأسندها إلى مَن زعم نُصحَهم؛ ليُكثِّر بذلك خصومَه يوم القيامة.
1 / 4
٦ شمل الكاتبُ بعطفِه وشفقتِه الفِرَقَ المختلفة، بل حتى السّحَرةَ ومُهربيِّ المخدرات، ولَم يبخَل بذلك إلاَّ على مَن زعم نصحَهم، وكأنَّه ليس أمامَه في الميدانِ إلاَّ مَن يتَّبع الكتاب والسُنَّة وما كان عليه سلف هذه الأمة.
٧ تعرَّض في أوراقِه للنيل من حُكَّام المملكة وقُضاتِها ومُفتيها وبعضِ الأئمَّة والخُطباء، وكيفية القبول في الجامعات، وتعيين الخرِّيجين والدعاة وغير ذلك، فكان بذلك مُجيدًا لِما يُقال له: التدخُّل في الشؤون الداخلية.
وذكّرني صنيعُه هذا كلمةً قالَها الإمامُ يحيى بن معين ﵀ في أحد الرواة، حيث قال: "يُفسدُ نفسَه، يدخل في كلِّ شيء"!
٨ كلُّ ما في أوراق الكاتب يُوافقه عليه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، كما ذكر ذلك في تقديمِه للأوراق، وكلُّ ردٍّ على الكاتبِ هو ردٌّ على المقدِّم لها.
وهذا أوانُ الشروع في مناقشة الكاتب في بعض ما اشتملت عليه أوراقُه، وما يُذكر دليلٌ على ما لَم يُذكر.
1 / 5
١- قال الكاتب: "كان أسلافُكم حنابلة المذهب يتَّبعون ويُقلِّدون مذهبَ الإمام الشيخ أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه، ابتداءً من ابن تيمية وابن القيم".
ثم ذكر جماعةً من الحنابلةِ منهم: ابن قدامة المقدسي، وابن هُبيرة، ثمَّ قال: "وختامًا بالشيخ محمد بن عبد الوهاب وأولاده والمفتي محمد بن إبراهيم وابن حميد رحمهم الله تعالى جَميعًا ولكنَّكم الآن تخلَّيتم عن هذا المذهب، وقلتُم (إنَّكم سلفيُّون) ... وأنَّكم تلتزمون بالكتاب والسنة فقط ... ".
ويُجاب عن كلامه من وجوه:
الأول: أنَّه ذكر ابنَ قدامة وابنَ هبيرة بعد ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرهم، والواقع أنَّهما متقدِّمان عليهم؛ لأنَّ وفاةَ ابن تيمية سنة (٧٢٨هـ)، أما ابن قدامة فكانت وفاتُه سنة (٦٢٠هـ)، وقبله ابن هبيرة كانت وفاته سنة (٥٦٠هـ)، فلَم يُميِّز الكاتبُ بين مَن هو متقدِّمٌ ومَن هو متأخِّرٌ!
1 / 6
الثاني: أنَّ علماءَ نجد الذين وصفهم الكاتبُ بأنَّهم تَخلَّوا عن المذهب الحنبلي لَم يتخلَّوا عنه كما زعم، بل دَرَسوه ودرَّسوه، فالشيخ عبد العزيز بن باز ﵀ كان يُدرِّس في كلية الشريعة بالرياض الروضَ المربع شرح زاد المستقنع، وأنا مِمَّن دَرَسَ عليه، والشيخ ابن عثيمين يُدرِّس زاد المستقنع، وقد طُبع من شرحه عدةُ مجلدات، وكذلك غيرهما، بل إنَّ الكاتبَ وغيرَه يسمعون في إذاعة القرآن الكريم شرحَ الشيخ صالح الفوزان "زاد المستقنع"، وشرح الشيخ عبد الرحمن الفريان "آداب المشي إلى الصلاة" للشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀.
وعلى هذا فهُم لَم يتخلَّوا عن المذهب الحنبليِّ، ولكنَّهم تَخلَّوا عن التعصُّب له، وإذا وُجد الدليلُ الصحيح على خلاف المذهب صاروا إلى ما دلَّ عليه الدليلُ.
وإذًا فلا فرقَ بين الذين زعم نصحَهم، ووصفهم بأَنَّهم تَخلَّوا عن المذهب الحنبليِّ، وبين مَن وصفهم باتِّباعه كابن تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرِهم، فإنَّ الكلَّ درسوا
1 / 7
المذهب الحنبليَّ واستفادوا من كتب المذهب، وإذا تبيَّن أنَّ الدليلَ على خلافه صاروا إليه.
الثالث: أنَّ هذا المسلكَ الذي عليه علماء الحنابلة الملتزمون بالدليل من الكتاب والسُّنَّة هو الذي عليه أهلُ الإنصافِ من مذاهب الأئمَّة الآخرين، ومن أمثلة كلامهم في ذلك:
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١/٣٠٦): "قال أصبغ: المسحُ عن النبيِّ ﷺ وعن أكابر أصحابه في الحضَر أثبتُ عندنا وأقوى من أن نتَّبع مالكًا على خلافه".
وقال في الفتح (١/٢٧٦): "المالكيَّةُ لا يقولون بالتتريب في الغسل من ولوغ الكلب، قال القرافيُّ منهم: قد صحَّت فيه الأحاديث، فالعجبُ منهم كيف لَم يقولوا بها! ".
وقال في الفتح (٣/١٨٩): "قال ابن العربيُّ المالكي: قال المالكيَّةُ: ليس ذلك أي الصلاة على الغائب إلاَّ لِمحمَّدٍ ﷺ، قلنا: وما عمل به محمدٌ ﷺ تعمَلُ به أمَّتُه
1 / 8
يعني لأنَّ الأصلَ عدم الخصوصية، قالوا: طُويت له الأرضُ وأُحضرت الجنازةُ بين يديه! قلنا: إنَّ ربَّنا عليه لقادرٌ، وإنَّ نبيَّنا لأهلٌ لذلك، ولكن لا تقولوا إلاَّ ما رويتم، ولا تَخترعوا حديثًا من عند أنفسكم، ولا تُحدِّثوا إلاَّ بالثابِتات ودَعُوا الضعافَ؛ فإنَّها سبيلُ إتلاف إلى ما ليس له تَلاف". وانظر: نيل الأوطار للشوكاني (٤/٥٤) .
وقال ابنُ كثير ﵀ في تعيين الصلاة الوسطى: "وقد ثبتت السُنَّةُ بأنَّها العصرُ، فتعيَّن المصيرُ إليها"، ثمَّ نقل عن الشافعيِّ أنَّه قال: "كلُّ ما قلتُ فكان عن النبيِّ ﷺ بخلاف قولي مِمَّا يصِحُّ، فحديثُ النبيِّ ﷺ أولَى، ولا تُقلِّدوني، وقال أيضًا: إذا صحَّ الحديثُ وقلتُ قولًا، فأنا راجعٌ عن قولي وقائلٌ بذلك"، ثمَّ قال ابنُ كثير: "فهذا من سيادتِه وأمانتِه، وهذا نَفَسُ إخوانِه من الأئمَّة ﵏ ورضي الله عنهم أجمعين، آمين، ومن هنا قطع القاضي الماوَردي بأنَّ مذهبَ الشافعيّ ﵀ أنَّ صلاةَ الوسطى هي صلاةُ العصر وإن كان قد نصَّ في الجديد
1 / 9
وغيره أنَّها الصبح لصحَّة الأحاديث أنَّها صلاةُ العصر، وقد وافقه على هذه الطريقةِ جماعةٌ من مُحدِّثي المذهب، ولله الحمد والمِنَّة". تفسير ابن كثير (١/٢٩٤) عند قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾
وقال ابنُ حجر في الفتح (٢/٢٢٢): "قال ابنُ خزيمة في رفع اليدين عند القيام من الركعتين: هو سنَّةٌ وإن لَم يذكره الشافعي، فالإسنادُ صحيح، وقد قال: قولوا بالسنَّة ودَعُوا قولي".
وقال في الفتح أيضًا (٣/٩٥): "قال ابنُ خزيمة: ويَحرُم على العالم أن يُخالف السنَّة بعد علمِه بها".
وقال في الفتح (٢/٤٧٠): "روى البيهقي في المعرفة عن الربيع قال: قال الشافعيُّ: قد روي حديث فيه أنَّ النساءَ يُتركن إلى العيدين، فإن كان ثابتًا قلتُ به، قال البيهقي: قد ثبت وأخرجه الشيخان يعني حديث أمِّ عطية فيلزم الشافعيَّة القول به".
1 / 10
وذكر النووي في شرح صحيح مسلم (٤/٤٩) خلافَ العلماء في الوضوء من لحم الإبل، وقال: "قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في هذا أي الوضوء من لحم الإبل حديثان: حديث جابر وحديث البراء، وهذا المذهبُ أقوى دليلًا وإن كان الجمهور على خلافه".
وقال ابن حجر في شرح حديث ابن عمر: "أمرتُ أن أقاتِل الناس" في قصَّة مناظرة أبي بكر وعمر في قتال مانعي الزكاة، قال: "وفي القصةِ دليلٌ على أنَّ السُّنَّة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطَّلع عليها آحادُهم، ولهذا لا يُلتفتُ إلى الآراء ولو قَوِيت مع وجود سُنَّة تخالفُها، ولا يُقال: كيف خَفيَ ذا على فلان؟! ". الفتح (١/٧٦) .
وقال في الفتح (٣/٥٤٤): "وبذلك أي بإشعار الهدي قال الجمهور من السلف والخلف، وذكر الطحاويُّ في اختلاف العلماء كراهتَه عن أبي حنيفة،
1 / 11
وذهب غيرُه إلى استحبابه للاتِّباع، حتى صاحباه محمد وأبو يوسف، فقالا: هو حسن".
الرابع: أنَّ أهلَ السنَّة المتَّبعين لنصوص الكتاب والسُّنَّة أسعدُ من غيرِهم باتِّباع الأئمَّة الأربعة؛ لأنَّهم المنَفِّذون لوصاياهم، قال ابن القيم في كتاب الروح (ص:٣٩٥ ٣٩٦): "فمَن عرضَ أقوال العلماء على النصوص ووَزَنها بها وخالف منها ما خالف النصَّ لَم يُهدِر أقوالَهم ولَم يهضِم جانبَهم، بل اقتدى بهم؛ فإنَّهم كلَّهم أَمروا بذلك، فمتَّبِعُهم حقًّا مَن امتثلَ ما أَوْصَوا به لا مَن خالفهم؛ فخِلافُهم في القول الذي جاء النَّصُّ بخلافه أسهل من مخالفتِهم في القاعدة الكليَّة التي أَمروا ودَعَوا إليها من تقديم النصِّ على أقوالهم، مِن هنا يتبيَّن الفرقُ بين تقليد العالِم في كلِّ ما قال وبين الاستعانة بفهمِه والاستضاءةِ بنور علمِه، فالأول يأخذ قولَه من غير نظرٍ فيه ولا طلبٍ لدليله من الكتاب والسُّنَّة، بل يجعل ذلك كالحبل الذي يُلقيه في عُنقِه ويُقلِّده به، ولذلك سُمِّيَ تقليدًا، بخلاف مَن
1 / 12
استعان بفهمِه، واستضاءَ بنورِ علمِه في الوصول إلى الرَّسول صلواتُ الله وسلامُه عليه، فإنَّه يجعلُهم بمنزلةِ الدليل إلى الدليل الأول، فإذا وصلَ إليه استغنى بدلالته عن الاستدلال بغيره، فمَن استدلَّ بالنَّجم على القبلة فإنَّه إذا شاهدها لَم يبقَ لاستدلالِه بالنجم معنى، قال الشافعيُّ: "أجمع النَّاسُّ على أنَّ مَن استبانت له سنَّةُ رسول الله ﷺ لَم يكن له أن يَدَعها لقول أحدٍ".
الخامس: أنَّ أهلَ السنَّة الآخذين بوصايا الأئمَّة باتِّباع ما دلَّ عليه الدليل ومنهم مَن زعم الكاتب نصحَهم يوافقون الأئمَّةَ في أصول الدِّين، ويستفيدون من فقههم في الفروع، بخلاف كثيرٍ من المتعصِّبين لهم؛ فإنَّهم يُخالفونهم في العقيدة فيتَّبعون مذهبَ الأشاعرة، ويُقلِّدونهم في الفروع.
1 / 13
٢ - أنكر الكاتِبُ على مَن زعم نصحَهم عدمَ السماح بإدخال كتاب "دلائل الخيرات" للجزولي إلى البلاد السعودية.
ويُجاب بأنَّ كتاب دلائل الخيرات مشتملٌ على صلواتٍ على النبيِّ ﷺ محدَثة، وفيها غُلُوٌّ، وما ثبت في الصحيحين وغيرهما من كيفيات للصلاة على النَّبِيِّ ﷺ فيها غُنيةٌ وكفاية عمَّا أحدثه المحدِثون، ولا شكَّ أنَّ ما جاءت به السُنَّة وفَعَلَه الصحابةُ الكرام والتابعون لهم بإحسانٍ هو الطريقُ المستقيمُ والمنهجُ القويم، والفائدةُ للآخِذِ به محقَّقةٌ، والمضرَّةُ عنه منتفيةٌ، وقد قال ﵊: "عليكم بسُنَّتي وسنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديين مِن بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ".
وكتاب دلائل الخيرات اشتمل على أحاديث موضوعة وكيفيات للصلاةِ على النبيِّ ﷺ فيها غُلُوٌّ ومُجاوَزةٌ للحدِّ ووقوعٌ في المحذور الذي لا يرضاه اللهُ ولا رسولُه ﷺ، وهو
1 / 14
طارئٌ لَم يكن من نهج السابقين بإحسان، قال الشيخ محمد الخضِر بن مايابى الشنقيطي في كتابه "مشتهى الخارف الجاني في ردِّ زلقات التجاني الجاني": "فإنَّ الناسَ مولَعةٌ بحبِّ الطارئ، ولذلك تراهم يَرغبون دائمًا في الصلوات المرويَّة في دلائل الخيرات ونحوه، وكثيرٌ منها لَم يثبت له سندٌ صحيح، ويَرغبون عن الصلوات الواردةِ عن النبيِّ ﷺ في صحيح البخاري".
ومِمَّا ورد في دلائل الخيرات من الكيفيات المنكرة للصلاة على النَّبِيِّ قولُ مؤلِّفه: "اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيءٌ، وارحم محمدًا وآل محمدٍ حتى لا يبقى من الرحمةِ شيءٌ، وبارِك على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من البركة شيءٌ، وسلِّم على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من السلام شيءٌ".
فإنَّ قولَه: (حتى لا يبقى من الصلاة والرحمة والبركة والسلام شيء)، مِن أسوإِ الكلام وأبطلِ الباطلِ؛ لأنَّ هذه
1 / 15
الأفعالَ لا تنتهي، وكيف يقول الجزولي: حتى لا يبقى من الرحمة شيء، والله تعالى يقول: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾؟!
وقال في (ص:٧١): "اللَّهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمد بحر أنوارِك، ومعدن أسرارك، ولسان حُجَّتك، وعروس مملكتك، وإمام حضرتك، وطراز ملكك، وخزائن رحمتك ... إنسان عين الوجود، والسبب في كلِّ موجود ... ".
وقال في (ص:٦٤): "اللَّهمَّ صلِّ على مَن تفتَّقت من نوره الأزهارُ ... اللَّهمَّ صلِّ على من اخضرَّت من بقيَّة وضوئه الأشجار، اللَّهمَّ صلِّ على من فاضت من نورِه جميع الأنوار ... ".
فإنَّ هذه الكيفياتِ فيها تكلُّفٌ وغُلُوٌّ لا يرضاه المصطفى ﷺ، وهو الذي قال: "لا تُطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، إنَّما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله". أخرجه البخاري في صحيحه.
1 / 16
وقال في (ص:١٤٤، ١٤٥): "اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد ما سجعت الحمائم، وحمَت الحوائم، وسرحت البهائم، ونفعت التمائم، وشُدَّت العمائم، ونمت النوائم ... ".
فإنَّ في قوله: "ونفعت التمائم" إشادة بالتمائمِ وحثًّا عليها، وقد حرَّمها ﷺ فقال: "مَن تعلَّق تَميمة فلا أتَمَّ الله له".
ومِمَّا ورد فيه من الأحاديث الموضوعة قوله في (ص:١٥):
"وروي عنه ﷺ أنَّه قال: "مَن صلَّى عليَّ صلاةً تعظيمًا لِحَقِّي خلق الله ﷿ من ذلك القول مَلَكًا له جناح بالمشرق والآخر بالمغرب، ورِجلاه مقرورتان في الأرض السابعة السفلى، وعُنُقُه ملتويةٌ تحت العرش يقول الله ﷿ له: صلِّ على عبدي كما صلَّى على نبيِّي، فهو يُصلِّي عليه إلى يوم القيامة ".
1 / 17
وقال في (ص:١٦): "وقال النبي ﷺ: "ما من عبدٍ صلَّى عليَّ إلاَّ خرجت الصلاةُ مسرعة من فيه، فلا يبقى بَرٌّ ولا بحرٌ ولا شرقٌ ولا غربٌ إلاَّ وتَمرُّ به وتقول: أنا صلاةُ فلان ابن فلان صلَّى على محمدٍ المختار خير خلق الله، فلا يبقى شيءٌ إلاَّ وصلَّى عليه، ويُخلقُ من تلك الصلاة طائرٌ له سبعون ألف جناح، في كلِّ جناحٍ سبعون ألف ريشة، في كلِّ ريشة سبعون ألف وجه، في كلِّ وجهٍ سبعون ألف فمٍ، في كلِّ فمٍ سبعون ألف لسان، يُسبِّح الله تعالى بسبعين ألف لغة، ويكتب الله له ثوابَ ذلك كلَّه".
هذان حديثان من أحاديث دلائل الخيرات يَصدق عليهما قولُ العلاَّمة ابن القيم في كتابه "المنار المنيف": "والأحاديثُ الموضوعة عليها ظُلمة وركاكةٌ ومجازفات باردة تُنادي على وضعها واختلاقها"، ثمَّ ضرب لذلك بعضَ الأمثلة، ثم قال: "فصل: ونحن نُنبِّه على أمورٍ كُليَّة، يُعرفُ بها كون الحديث موضوعًا، فمنها اشتمالُه على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلَها رسولُ الله ﷺ،
1 / 18
وهي كثيرةٌ جدًّا، كقوله في الحديث المكذوب: من قال لا إله إلاَّ الله خلق الله من تلك الكلمة طائرًا له سبعون ألف لسان، لكلِّ لسان سبعون ألف لغة يستغفرون الله له، ومَن فعل كذا وكذا أُعطي في الجنَّة سبعين ألف مدينة، في كلِّ مدينة سبعون ألف قصر، في كلِّ قصرٍ سبعون ألف حوراء، وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا تخلو حال واضعها من أحد أمرين: إمَّا أن يكون في غاية الجهل والحُمق، وإمَّا أن يكون زنديقًا قصد التنقيص برسول الله ﷺ بإضافة مثل هذه الكلمات إليه".
ومن الواضحِ الجَليِّ أنَّ مثلَ هذه الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله ﷺ مبايِنَةٌ تَمام المبايَنة لِما أوتيَه ﷺ من جوامع الكلمِ، كقولِه ﷺ: "إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى"، وقوله ﷺ: "دَعْ ما يُريبُك إلى ما لا يُريبُك"، وقوله ﷺ: "الدِّينُ النصيحةُ، قالوا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم"، وقوله ﷺ: "إذا أمرتكم
1 / 19
بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوه".
وبعد هذا الإيضاح والبيان لبعض ما اشتمل عليه كتاب "دلائل الخيرات" من الأحاديث الموضوعة، والكيفيات المُحدَثة للصلاة على النبيِّ ﷺ يتبيَّن أنَّ المنعَ من دخوله المملكة منعٌ في مَحلِّه، وأنَّ فيما ثبتت به السُّنَّةُ عن رسول الله ﷺ من بيان كيفية الصلاة عليه ﷺ ما يُغنِي عن إحداث المحْدِثين وتكلُّف المتكلِّفين.
٣ - قال الكاتب: "ضيَّقتُم ثمَّ أوْصدتُم وأقْفلتُم بابَ النصيحة من المسلمين لأئمَّتهم وحُكَّامهم وأولي الأمر منهم، وأفتيتُم بمعصيةِ مَن يُخالفُ ذلك، وعاديتموه، في الوقت الذي فيه المسلمون وحُكَّامهم بأمَسِّ الحاجة إلى الوعظِ والنصيحةِ بالحُسنى، وصلى الله تعالى على القائل:
1 / 20
"الدِّينُ النصيحةُ، قلنا: لِمَن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم".
والجواب: أنَّ النصحَ للولاة وغيرِهم يكون نافعًا إذا كان سرًّا وبالرِّفق واللِّين، قال الله تعالى للنَّبيَّيْن الكريمَيْن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾، وعن عائشة ﵂، عن النَّبِيِّ ﷺ قال: "إنَّ الرِّفقَ لا يكون في شيءٍ إلاَّ زانه، ولا يُنزعُ من شيء إلاَّ شانَه"، رواه مسلم.
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي وائلٍ قال: قيل لأسامة هو ابن زيد ﵄: لو أتيتَ فلانًا هو عثمان بن عفان ﵁ فكلَّمتَه؟ قال: إنَّكم لَتَرونَ أَنِّي لا أُكلِّمه إلاَّ أُسمِعُكم؟ إنِّي أُكلِّمه في السِّرِّ دون أن أفتَح بابًا لا أكون أوَّل مَن فتحه".
قال الحافظ في شرحه: "أي: كلَّمتُه فيما أَشرتُم إليه، لكن على سبيل المصلحة والأدب في السر، بغير أن يكون
1 / 21
في كلامي ما يُثير الفتنةَ أو نحوَها".
وثبت في مسند الإمام أحمد والسُّنة لابن أبي عاصم ومستدرك الحاكم عن عياض بن غنم ﵁، عن النَّبِيِّ ﷺ قال: "مَن أراد أن ينصحَ لسلطانٍ بأمرٍ فلا يُبدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيدِه فيخلو به، فإن قَبِل منه فذاك، وإلاَّ كان قد أدَّى الذي عليه له".
أمَّا إذا خلا النصحُ من الرِّفقِ ولَم يكن سرًّا، بل كان علانيةً، فإنَّه يضُرُّ ولا ينفع، ومن المعلوم أنَّ أيَّ إنسانٍ إذا كان عنده نقصٌ يُحِب أن يُنصحَ برِفقٍ ولينٍ، وأن يكون ذلك سرًّا، فعليه أن يُعاملَ الناسَ بِمثلِ ما يُحبُّ أن يُعاملوه به.
ففي صحيح مسلم في حديث طويل عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: "فمَن أحبَّ أن يُزحزَح عن النار ويُدخل الجنَّة فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتى إليه".
1 / 22