ورأى نَيْلَوْفَرَة صدَفًَا لِدُرَ السحاب، وحُقَّه لجوهر النَّدى المُذاب، كأنها بَوْتَقة أذابَ بها الجوُّ نُضارَه، أو كأسٌ في يد مُصْطبِح يُداوِي بها خُمَاره، أو مقلةُ صَبٍّ كئيب قد فَجأة على الغفْلةِ الرَّقيب، بعد ما امتلأتْ بدمعِ الهوى، وتردَّد فيها الدَّمعُ من حَيْرة النَّوى، وقد طفَا عليها الماءُ الزُّلال، فبلغ حافاتِها وما سال، بل لِخَشْية فراقِها، تشبَّثَ بأهْداب أوراقِها، فقال مُضِّمنًا وأجاد:
ونوفرةٍ كعين الصَّبِّ شَكْرَى ... تَجُمُّ الماء خشيةَ أن يُراقَا
ذكرتُ لها النَّوى يومًا ففاضَتْ ... وصارت كلها للدِّمعِ ماقَا
) وشكري (بشين معجمة بمعنى ممتلِئة، وهو من قصيدة للمُتَنَبِّي، أوّلها: نظرتُ إليهمُ والعين شَكْرَى فصارت.........الخ وأنشدني له أيضًا:
شامَ بَرْقَ الشَّامِ بالرُّومِ خدوعا ... فانبرَتْ أجفانهُ تذْرِى الدُّموعَا
هَبَّ من عَلْيا دِمشْقٍ مُوهِنًا ... هَبَّةَ المِصْباح في الليل ذَرِيعًا
جَزَع الآفاق في هَبَّتِه ... وأتى الرُّومَ سُرَى الأيْم جزوعا
خفَقت راياتهُ في أُفْقِه ... خَفَقَان القلبِ قد أمسى مَرُوعَا
وقعتْ شُعلتُه وَسْط الحشا ... وسَنَاه طارَ في الجوَّ رفيعاَ
1 / 75