إكمال المنهج الداخلي
نحاول من هذا الدرس، وذلك المثال، المثابرة على تحقيق الغاية المرجوة التي نؤمن أنها أجل وأكبر ما ينقص حياتنا الأدبية، تلك هي: تحرير المنهج وتكميله ... والمنهج هو الدستور الذي يقرر أصول التفكير على اختلاف ألوانه، ويضبط قواعد الإدراك على تنوع قواه في الإنسان ... وعند الجامعة والجامعيين يلتمس الناس هذا التحرير والإكمال وعنهم يؤخذ، ولا خير في عمل من أعمالهم ما لم يقم على المنهج المصحح الكامل، وإلا فما حال ذلك الذي يعاني درس الأدب وتاريخه: فيصف العصور، ويحلل الشخصيات، ويتذوق الفن، ويتحدث عن مزاج الأمم والأفراد، ويحكم تلك الأحكام البعيدة المدى الجريئة التناول في كل ذلك جميعا، وهو لا يدري كيف يثبت نصا، ولا كيف يحقق نصا، وأما كيف يقرأ نصا أيضا قراءة دارس متفهم فهو عليه أبعد وأشق! من أجل ذلك: كانت العناية بالمسألة المنهجية آكد وأعظم ما تخدم به النهضة الأدبية.
ولئن قلت - قريبا: إن القدماء قد أصلوا المنهج الأدبي! فإن من الحق أن أقيد ذلك بأنه تأصيل للجانب الخارجي الذي أشرنا إليه لا غير.
فقد قرروا من القواعد في جمع النصوص ونقلها وإثباتها وتحريرها ما لا يزال حتى اليوم كافيا صالحا للبقاء ...
أما المنهج الداخلي المتناول لفهم النص الأدبي فلا مفر لنا من تقرير أنهم فيه لم يوفوا على الواجب، وأن فرق ما بين عملهم فيه وبين ما ينبغي اليوم منه ليقاس بفرق ما بين التقدم العقلي بين أمسهم الغابر ويومنا الشاهد، وما بين معرفة الإنسان بالكون وظواهره، والنفس وقواها، في عهدهم البعيد، وعهدنا الحاضر ...
فإذا ما دعونا إلى تحرير المنهج الخارجي وتصحيحه، فذكرنا من عملهم فيه، وعمل غيرهم
3
ما يتكامل ويفيد، فإننا في المنهج الداخلي، وفهم النص الأدبي إنما نطلب التكميل والإضافة وزيادة ما لم ينالوه في هذا السبيل أو شعروا به شعورا مبهما ضعيفا، وكذلك يجب أن نقوم بعملين اثنين: تحرير المنهج الخارجي، وتكميل المنهج الداخلي.
ويبين لك هذا التكميل أن تقدر ما ورثناه عنهم، ومضينا نتابعهم عليه في فهم النص الأدبي وتذوقه؛ إذ تراهم وترانا إنما نفهم النص من مادته ولفظه فحسب، نفسره تفسيرا لغويا سطحيا أو بعيدا عن السطح قليلا
4
অজানা পৃষ্ঠা