6
فبينت لم كان الأدباء لا يعدون مثل هذا كذبا؟ وكيف أثر هذا على نظرهم في تعريف الصدق والكذب الذي تعرضت له الكتب البلاغية تأثرا بهذه الصناعة الأدبية، ومروجاتها المختلفة إذ ذاك، كما يبينه البحث في تاريخ البلاغة العربية.
وإذا ما أشرنا هنا إلى هذه المقدرة الأدبية على الاستهواء واللباقة الخطابية في التأثير، شعرنا - ونحن نتفهم أبا العلاء - بضرورة الوقوف لحظة، والتمهل حينا، لنحدق في جانب من شخصية صاحبنا هو:
شخصية أبي العلاء الواعظ
إذ تبدو للناظر في آثاره التي جاءتنا، أو التي سيق إلينا خبرها ووصفها - وإن لم نرها - شخصية خطابية قد عنيت بالخطابة الدينية الواعظة المستهوية، بل كادت عنايتها بهذه الناحية من الخطابة الدينية، تستأثر بالثمار الأدبية كلها لفن أبي العلاء، وليس عجيبا أن نتحدث عن شخصية الواعظ في رجل قد اتهم في دينه، وجرت كلمات الأجيال المختلفة فيه بلون ما من هذا الاتهام، وشغل الناس من نفسه بتلك الناحية دون غيرها، أو أكثر من غيرها، ليس عجيبا أن نتحدث عن شخصية الواعظ في رجل هذا شأنه؛ لأن مادة هذا الحديث وعناصر تلك الحقيقة في أيدينا مهما يهمل القدماء أو المحدثون التعرض لها. فهذا أبو العلاء يقول عن نفسه في التأليف: اجتهدت على أن أتوفر على تسبيح الله وتمجيده إلى أن اضطر إلى غير ذلك فأمليت أشياء.
7
فكان التأليف المحبب له أو الذي اختار أن يقف قلمه عليه، هو التسبيح والتمجيد لله، وهو ما دعوناه وعظا أو خطابة دينية لا لهذا القول فحسب، بل لأن حريدة كتبه كما ساقها المؤرخون ووصفوها تفسر ما يعنيه بالتسبيح والتمجيد؛ فكتاب الفصول والغايات، وهو - كما وصفوا - سبعة أجزاء في مائة (100) كراسة إنما هو في المواعظ. وفي القدر الذي نشر منه مثل صادق لهذا الوعظ الاستهوائي الذي أشرنا آنفا إلى أن أبا العلاء يفقد فيه سمة الباحث والمفكر، ويلبس رداء الوعاظ، فيصدر عنه ما سمعنا من حديث عن قدرة الله، ذلك الحديث الذي ينفي فيه الأسباب، ويجيز للقدرة تناول المستحيلات، ويضطرب تقديره للمستحيلات العقلية والعملية على ما أشرنا إليه في موضعه، (انظر ص114 وما بعدها)، وكتابه الذي يسمونه «الأيك والغصون»، ويذكرون أنه اثنان وتسعون جزءا - وقد يزيدونه على ذلك - في ألف ومائتي كراسة (1200) إنما هو في العظات وذم الدنيا، وكتاب «تضمين الآي» في أربعمائة (400) كراسة، إنما السبب في تأليفه أن بعض الأمراء سأله أن يؤلف كتابا برسمه، ولم يؤثر أن يؤلف في غير العظات والحث على تقوى الله فأملى هذا الكتاب. وكتابه سيف الخطبة إنما هو ديوان خطب منبرية يشتمل على خطب السنة، وفيه خطب للجمع والعيدين والخسوف والكسوف والاستسقاء ... إلخ. وهو جزءان في أربعين (40) كراسة ،
(400)، كما ذكروا له في ذلك كتاب «رقعة الواعظ»، وكتاب «سجع الحمائم»،
كراسة (30)، وكتابه «المواعظ الست» نحو خمس عشرة كراسة (15)، «وكتابه السجعات العشر» على كل حرف من المعجم عشر سجعات، كما أن له رسالة على لسان ملك الموت
8
অজানা পৃষ্ঠা