الشفق غروبه "أول العشاء" للإجماع على دخوله بالشفق، والأحمر هو المتبادر منه لأن وقت الاستحباب الذي يستحب أن يصلى فيه هو أوائل الأوقات إلا العشاء. وآخره نصف الليل فالمستحب الأصلي تأخيرها وهو قوله صلى الله وسلم عليه: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء" ولأنه أنفع في تصفية الباطن من الأشغال المنسية لذكر الله تعالى وأقطع لمادة السمر بعد العشاء لكن التأخير ربما يفضي إلى تقليل الجماعة وتنفير القوم وفيه قلب الموضوع فلهذا كان النبي صلى الله وسلم عليه إذا كثر الناس عجّل وإذا قلوا أخّر كذا في الحجة فهذه علامات وكان المعلم لها جبرائيل ﵇ ثم محمد رسول الله للأمة "وأول وقت الفجر إذا انشق الفجر" أي ظهور الضوء المنتشر وبينه صلى الله وسلم عليه أشفى بيان فقال لهم: "أنه يطلع معترضًا في الأفق" وأنه: "ليس الذي يلوح بياضه كذنب السِّرحان" وهذا شيء تدركه الأبصار، وقال تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ فجاء بلفظ التفعل لإفادة أنه لا يكفي إلا التبين الواضح أي يتبين لكم شيئًا فشيئًا حتى يتضح فإنه لا يتم تبينه وظهوره إلا بعد كمال ظهوره فإنه يطلع أولا تباشير الوضوء ثم ذنب السِّرحان وهو الفجر الكذاب ثم يتضح نور الصباح الذي أبداه بقدرته فالق الإصباح ولذلك قال الشاعر:
وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه ... ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب ...
قال ابن القيم: إن النبي صلى الله وسلم عليه كان يقرأ بالستين آية إلى المائة ثم ينصرف منها والنساء لا يُعرفن من الغلس وأن صلاته كانت في التغليس حتى توفاه الله تعالى وأنه إنما أسفر بها مرة واحدة وكان بين سحوره وصلاته قدر خمسين آية فرُد ذلك بمجمل حديث رافع بن خديج: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الإسفار بها دوامًا لا ابتداء فيدخل فيها مغلسا ويخرج منها مسفرا كما كان يفعله رسول الله صلى الله وسلم عليه فقوله موافق لفعله لا مناقض له وكيف يُظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه انتهى. "وآخره طلوع الشمس" ومما ينبغي أن يُعلم أن الله ﷿ لم يكلف عباده في تعريف أوقات الصلوات بما يشق عليهم ويتعسر فالدين يسر والشريعة سمحة سهلة بل جعل صلى الله تعالى عليه وسلم للأوقات علامات
1 / 70