صعد أي علا وارتفع على وجه الأرض وهذه الصفة لا تختص بالتراب ويؤيد ذلك حديث: "جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وهو متفق عليه من حديث جابر وغيره، وما ثبت في رواية بلفظ: "وتربتها طهورًا" كما أخرجه مسلم من حديث حذيفة فهو غير مستلزم لاختصاص التراب بذلك عند عدم الماء لأن غاية ذلك أن لفظ التراب دل بمفهومه أن غيره من أجزاء الأرض لا يشاركه في الطهورية وهذا مفهوم لقب لا ينتهض لتخصيص عموم الكتاب والسنة ولهذا لم يعمل به من يعتد به من أئمة الأصول فيكون ذكر التراب في تلك الرواية من باب التنصيص على بعض أفراد العام وهكذا يكون الجواب عن ذكر التراب في غير هذا الحديث ووجه ذكره أنه الذي يغلب استعماله في هذه الطهارة، ويؤيد هذا ما تقدم من تيممه صلى الله وسلم عليه من جدار. وأما الاستدلال بوصف الصعيد بالطيب ودعوى أن الطيب لا يكون إلا ترابًا طاهرًا منبتًا لقوله تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ فغير مفيد للمطلوب إلا بعد بيان اختصاص الطيب بما ذُكر، والضرورة تدفعه فإن التراب المختلط بالأزبال أجود إخراجًا للنبات قال الماتن في شرح المنتقى: ومن الأدلة الدالة على أن المراد خصوص التراب ما ورد في القرآن والسنة من ذكر الصعيد فالأمر بالتيمم منه وهو التراب لكنه قال في القاموس: والصعيد التراب أو وجه الأرض، وفي المصباح: الصعيد وجه الأرض ترابًا كان أو غيره. قال الزجاج لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك. قال الأزهري: ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد في قوله تعالى: ﴿صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ هو التراب. وفي كتاب فقه اللغة للثعالبي: الصعيد تراب وجه الأرض ولم يذكر غيره وفي المصباح أيضا ويقال الصعيد في كلام العرب يطلق على وجوه على التراب الذي على وجه الأرض وعلى وجه الأرض وعلى الطريق، ويؤيد حمل الصعيد على العموم تيممه صلى الله وسلم عليه من الحائط فلا يتم الاستدلال وقد ذهب إلى تخصيص التيمم بالتراب الشافعي وأحمد وداود، وذهب مالك وأبو حنيفة وعطاء والأوزاعي والثوري إلى أنه يجزئ بالأرض وما عليها قال: واستدل القائل بتخصيص التراب بما عند مسلم من حديث حذيفة مرفوعًا بلفظ: "وجُعلت تربتها لنا طهورًا" وهذا خاص فينبغي أن يُحمل عليه العام، وأجيب بأن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو
1 / 58