وهي مسح الرأس مقبلا ومدبرا وإجزاء غيرها في بعض الأحوال ولا يخفى أن قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ لا يفيد إيقاع المسح على جميع الرأس كما في نظائره من الأفعال، نحو: ضربت رأس زيد وضربت برأسه وضربت زيدًا وضربت يد زيد فإنه يوجد المعنى اللغوي في جميع ذلك بوجوب الضرب على جزء من الأجزاء المذكورة وهكذا ما في الآية، وليس النزاع في مسمى الرأس لغة حتى يقال: إنه حقيقة في جميعه بل النزاع في إيقاع المسح عليه وعلى فرض الإجمال فقد بينه الشارع تارة بمسح الجميع وتارة بمسح البعض بخلاف الوجه فإنه لم يقتصر على غسل بعضه في حال من الأحوال بل غسله جميعا. وأما اليدان والرجلان فقد صرح فيهما بالغاية للمسح والغسل، فإن قلت: إن المسح ليس كالضرب الذي مثلت بت. قلت: لا ينكر أحد من أهل اللغة أنه يصدق قول من قال: مسحت الثوب أو بالثوب أو مسحت الحائط أو بالحائط على مسح جزء من أجزاء الثوب أو الحائط، وإنكار مثل هذا مكابرة وقد أوضح ذلك شيخنا العلامة الشوكاني في حاشية الشفاء وغيرها فليراجع. "مع أذنيه" وجهه ما ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مسحهما مع مسح رأسه، وقد ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وسلم بلفظ: "الأذنان من الرأس" من طرق يقوي بعضها بعضا١. "ويجزئ مسح بعضه" قال الشافعي رح تعالى: الفرض أدنى ما يطلق عليه اسم المسح، وقال أبو حنيفة رح تعالى: مسح ربع الرأس، وقال مالك: مسح جميع الرأس في سفر السعادة٢، وكان يمسح جميع رأسه أحيانا وأحيانا يمسح على العمامة وأحيانا يمسح على الناصية والعمامة ولم يقتصر على مسح بعض الرأس أبدا وكان يمسح الآذان ظاهرا وباطنا ولم يثبت في مسح الرقبة حديث انتهى. "والمسح على العمامة" أو غيرهما مما هو على الرأس فقد ثبت ذلك عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من حديث عمرو بن أمية الضمري عند البخاري رح تعالى وغيره ومن حديث بلال ﵁ عند مسلم رح تعالى وغيره ومن حديث المغيرة رضي
_________
١ بل كل طرقه ضعيفة والضعيف لا حجة فيه وإن اعتضد بمائة ضعيف مثله إلا ما كان ضعفه من قبل حفظ الراوي فهذا يقويه ما يتابعه فيه غيره ممن هو مثله أو أقوى منه.
٢ وهو كتاب نفيس جدا وقد نشرناه بفضل الله وحسن توفيقه.
1 / 38