ويحتمل أن يكون المعنى لا يكمل الوضوء لكن لا أرتضي مثل هذا التأويل فإنه من التأويل البعيد الذي يعود بالمخالفة على اللفظ انتهى. وأقول: قد تقرر أن النفي في مثل قوله: "لا وضوء" يتوجه إلى الذات إن أمكن فإن لم يمكن توجه إلى الأقرب إليها وهو نفي الصحة فإنه أقرب المجازيْن لا إلى الأبعد وهو نفي الكمال، وإذا توجه إلى الذات أي لا ذات وضوء شرعية أو إلى الصحة دل على وجوب التسمية لأن انتفاء التسمية قد استلزم انتفاء الذات الشرعية أو انتفاء صحتها فكان تحصيل ما يُحصِّل الذات الشرعية أو صحتها واجبًا ولا يتوجه إلا نفي الكمال إلا لقرينة لأن الواجب الحمل على الحقيقة ثم على أقرب المجازات إليها إن تعذر الحمل على الذات ثم لا يحمل على أبعد المجازات إلا لقرينة، ويمكن أن يقال إن القرينة ههنا المسوِّغة لحمل النفي على المجاز الأبعد هي ما أخرجه الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: "من توضأ وذكر اسم الله على وضوئه كان طهورًا لجسده، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله على وضوئه كان طهورا لأعضائه". وس نده ضعيف. "ويتمضمض ويستنشق" وجهه أنهما من جملة الوجه الذي ورد القرآن الكريم بغسله وقد بين النبي ﷺ ما في القرآن بوضوئه المنقول إلينا ومن جملة ما نقل إلينا المضمضة والاستنشاق فأفاد ذلك أن الوجه المأمور بغلسه من جملة المضمضة والاستنشاق وقد ورد الأمر بذلك كما أخرجه الدارقطني رح من حديث أبي هريرة ﵁ قال: أمر رسول الله ﷺ بالمضمضة والاستنشاق، وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضا أن النبي ﷺ قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر". وثبت عند أهل السنن وصححه الترمذي رح تعالى من حديث لقيط بن صبرة رضي الله تعالى عنه بلفظ: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما١". وأخرج النسائي رح تعالى من حديث سلمة بن قيس رضي الله تعالى عنه: "إذا توضأت فانتثر" وأخرجه الترمذي رح تعالى أيضا وفي رواية
_________
١ رواه أيضا الشافعي وأحمد وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه أيضا البغوي وابن القطان. ورواه أيضا الدولابي بلفظ: "وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائمًا" قال ابن القطان: وهذا سند صحيح. ورجحه على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذكر المضمضة.
1 / 35