الاستقبال والاستدبار للقبلة" قد ورد في ذلك أحاديث منها ما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي أيوب بلفظ: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا". وأخرج نحوه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ومن حديث سلمان أيضا وابن ماجه وابن حبان من حديث عبد الله بن الحرث بن جزء وأبو داود من حديث عبد الله بن مغفل والدارمي في مسنده من حديث سهل بن حنيف وقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثمانية أقوال استوفاها الماتن في نيل الأوطار وقد استدل من لم يمنع من ذلك بما أخرجه الجماعة من حديث ابن عمر قال: رقيت يوما على بيت حفصة رضي الله تعالى عنها فرأيت النبي ﷺ على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، وجعلوا هذا الحديث ناسخا لأحاديث النهي. ومن جملة ما استدلوا به حديث جابر رضي الله تعالى عنه عند أحمد رحمه الله تعالى وأبي داود رح تعالى والترمذي رح تعالى وحسنه وابن ماجه رح تعالى والبزار رح تعالى وابن الجارود رح تعالى وابن خزيمة رح تعالى وابن حبان رح تعالى والحاكم رح تعالى والدارقطني رح تعالى قال: نهى النبي ﷺ أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها، وقد نقل الترمذي عن البخاري رح تعالى تصحيحه وصححه أيضا ابن السكن وحسنه أيضا البزار، ولا يخفى أنه قد تقرر في الأصول أن فعله ﷺ لا يعارض القول الخاص بالأمة فما وقع منه ﷺ لا يعارض النهي عن الاستقبال والاستدبار للقبلة١، فإن قلت حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند أحمد رح تعالى وابن ماجه رح تعالى قالت: ذكر لرسول الله ﷺ أن ناسا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم فقال: "أو قد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة". قلت: لو صح هذا لكان صالحا للنسخ لأن النبي ﷺ فعله لقصد التشريع للأمة ولمخالفة من كان يكره الاستقبال ولكنه لم يصح فإن في إسناده خالد بن أبي الصلب قال ابن حزم:
_________
١ كلا بل يعارضه وقد أمرنا باتباعه والاقتداء به ﷺ وما زعمه الشارح تبعا للمؤلف في نيل الأوطار من أنه تقرر في الأصول الخ دعوى لا دليل عليها ومرجعها إلى ادعاء الخصوصية في بعض أفعاله وهي لا تقبل ممن يدعيها إلا بدليل صريح والحق أن النهي عن الاستقبال أو الاستدبار منسوخ بحديث جابر.
1 / 27