ابن علي بن محمد اليمني الشوكاني المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف الهجرية رضي الله تعالى عنه وأرضاه وجعل الفرودس منزله ونزله ومأواه المختصر الذي سماه: "الدرر البهية في المسائل الفقهية" قاصدا بذلك جمع المسائل التي صح دليلها واتضح سبيلها تاركا لما كان منها من محض الرأي فإنه قالها وقيلها غير ملتفت إلى ما اشتهر فالحق أحق بالاتباع وغير جامد على ما ذكر في الزبر١ فلمسلك التحقيق اتساع بل محض فيه النصح النصيح ومخض٢ عن زبد الحق الصريح وأتى بتحقيقات جليلة خلت عنها الدفاتر وأشار إلى تدقيقات نفسية تحوها صحف الأكابر ونسبة هذا المختصر إلى المطولات من الكتب الفقهية نسبة السبيكة الذهبية إلى التربة المعدنية كما يعرف ذلك من رسخ في العلوم قدمه وسبح في بحار المعارف ذهنه ولسانه وقلمه سأله جماعة من أهل الانتقاد والفهم النافذ العاضين على علوم الاجتهاد بأقوى لحي٣ وأحد ناجذ٤ أن يجلي عليهم عروس ذلك المختصر ويزفه إليهم ليمعنوا في محاسنه النظر فاستمهلهم ريثما يصحح منه ما يحتاج إلى التصحيح وينقح فيه ما لا يستغني عن التنقيح ويرجح من مباحثه ماهو مفتقر إلى الترجيح ويوضح من غوامضه ما لا بد فيه من التوضيح فشرحه بشرح مختصر من معين عيون الأدلة معتصر وسماه: "الدراري المضية شرح الدرر البهية" وفيهما قال قائل:
إن شئت في شرح النبي ... تقدح بزند فيه واري٥
فاعكف على الدرر التي ... سلكت بسمط٦ من دراري
وشرحه هذا كان بالقول فجعلته شرحا ممزوجا وصيرته على منواله منسوجا مستوعبا للفظه ومعناه ومستصحبا لفحاويه ومبناه مضيفا إليه مذاهب الفقهاء ليظهر ضعفها أو قوتها عند تقابل الأدلة وتعارضها بالآراء لا للأخذ بها على ما كان بأي حال فإن الرجال تعرف بالحق لا الحق بالرجال ثم زدت عليه أشياء من حاشية الماتن٧ على شفاء الأوام التي سماها! وبل الغمام! ومن غيرها عند النظر الثاني
_________
١ أي في الكتب.
٢ مخض اللبن أخذ زبده.
٣ أي منبت اللحية.
٤ الناجذ آخر الأضراس وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان.
٥ ورى الزند خرجت ناره.
٦ السمط الخيط ما دام فيه الخرز وإلا فهو سلك.
٧ يعبر مؤلف هذا الشرح كثيرا عن مصنف الأصل بلفظ "الماتن" وهو مولد مستكره فأصل "المتن" الظهر في اللغة ثم استعمله طلاب العلم في الكتاب المختصر إذا كان عليه شرح فاشتقاق اسم فاعل من هذا وليس بمصدر اشتقاق خاطئ.
1 / 3