ولما تعاقدا قال شعيب ﵇ لابنته، وأمرها أن تعطي موسى عصًا فأعطته. وأقام يرعى الأغنام إلى أن تم الأجل، وسلم شعيب ﵇ ابنته صفورة إلى موسى ﵇ فقال لها موسى يومًا: اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم، فطلبت من أبيها، فقال شعيب ﵇ لها: لكما كل ما ولدت هذا العام كل أبلق وبلقاء.
فأوحى الله إلى موسى ﵇ في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستسقى الأغنام، ففعل موسى ثم سقى الأغنام فوضعت كلها ما بين أبلق وبلقاء، فوفى لهم شعيب ﵇ بشرطه، وأقام موسى ﵇ بعد ذلك الأجل عشر حجج أخر ثم استأذن شعيب ﵇ بالمسير إلى مصر، فأذن له. فخرج موسى من مدين بأهله قاصدًا إلى مصر، فلما انتهى إلى قريب من جبل الطور أتى امرأته الطلق، وذلك قوله تعالى: (... آنسَ من جانبِ الطُّورِ نارًا قالَ لأهلهِ امكثوا إنِّي آنستُ نارًا لعلِّي آتيكم منها بخبرٍ ...) وذكر في كتاب "المدارك" في التفسير: روي أن شعيب ﵇ كان عنده عصي الأنبياء ﵈ فقال لموسى ﵇ بالليل: ادخل ذلك البيت، فخذ عصا من تلك العصي. فدخل موسى وأخذ عصًا هبط بها آدم من الجنة، ولم تزل الأنبياء يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب ﵇ فمسها شعيب، وكان مكفوف البصر، فرماها بالبيت [وضن بها] وقال لموسى: خذ غيرها، فدخل موسى فما وقع في يده غيرها سبع مرات فعلم شعيب أن له شأنًا، فقال له: خذها.
ولما أصبح الصباح قال له شعيب: إذا بلغت مفرق الطرق، فلا تأخذ على يمينك فإن الكلأ وإن كان بها كثيرًا، إلا أن فيها تنينًا أخشى عليك وعلى الغنم منه. فسار موسى بالغنم، فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر موسى على كفها، فمشى على إثرها، فإذا عشب ومرعى لم ير مثله، فنام موسى ﵇ والأغنام ترعى. فأقبل التنين فحاربته العصا حتى قتلته، وعادت إلى جنب موسى دامية، فانتبه موسى ﵇ وأبصرها دامية، والتنين مقتولًا فارتاح لذلك، ولما رجع لمس شعيب ﵇ الأغنام فوجدها ملأى البطون، غزيرة اللبن، فأخبره موسى ﵇ بخبر العصا والتنين، ففرح شعيب ﵇ وحمد الله تعالى وعلم أن لموسى والعصا شأنًا، وقال له: إني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كل أدرع ودرعاء، فأوحى الله إلى موسى في المنام، أن اضرب بعصاك مستقى الغنم، ففعل، ثم سقى الأغنام، فوضعت كلهن أدرعًا ودرعاء، فوفى له بشرطه. وذلك قوله تعالى: (فلمَّا قضى موسى الأجلَ ...) قال ﷺ "قضى أوفاهما، وتزوَّجَ صغراهما".
قيل: ولما عاد موسى ﵇ من الطور وجد امرأته صفورة قد ولدت ابنًا، فحملها إلى مصر وأقام بمصر يدعو فرعون إلى الإيمان وماتت صفورة في حياة موسى ﵇.
[٦]
آسية ﵍
بنت مزاحم بن فاحث بن لاوي بن يعقوب ﵇ بن إسحاق ﵇ بن إبراهيم الخليل ﵇ وهي ابنة عم موسى ﵇ وزوجة فرعون واسمه الوليد بن مصعب، وكان أبوه يرعى البقر، وبلغ من العمر مائة وسبعين سنة ولم يرزق ولدًا، فرأى بقرة يومًا ولدت عجلة فتأوه وتألم، فنادته النقرة: يا مصعب لا تحزن فسيولد لك ولد مشؤوم يكون من أهل جهنم.
ورجع مصعب فواقع زوجته، فحملت بفرعون، ومات مصعب قبل وضعه وولدته أمه وربته، وتنقلت به الأحوال حتى ملك مصر، وطغى وتجبر، وادعى الربوبية، فبلغه حسن آسية وجمالها: فأرسل إلى أبيها مزاحم أخي عمران يخطبها، وحمل إليه أموالًا وتزوجها.
وقيل: إن الله عصمها منه فكان إذا واقعها تتشبه بها جنية فيواقع الجنية. وقيل: إن السحرة الذين آمنوا بموسى ﵇ كانوا مائتي ألف وأربعين ألف ومائتين واثنين وخمسين رجلًا وهم من رؤساء السحرة وكان غرق فرعون سنة ثلاثة آلاف وثمانمائة وثمانية وعشرين من هبوط آدم ﵇ ووفاة آسية قبل غرق فرعون بأعوام قليلة، نحو عامين أو أكثر، والله سبحانه أعلم.
وذكر في كتاب "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة": وقد قيل بنبوة نسوة دخلن مصر: مريم بنت عمران، وسارة امرأة الخليل، وأم موسى ﵇ وآسية امرأة فرعون. وممن آمن مع آسية ماشطة بنت فرعون.
1 / 6