ولما كانت سنة ست وثلاثين كانت وقعة الجمل وسببها، لما بويع علي ﵁ بالخلافة ندم طلحة ﵁ والزبير ﵁ على خذلان عثمان ﵁ فاجتمعوا واتفقوا مع عائشة ﵂، واشتروا لها جملًا، وحملوها وساروا إلى البصرة فنزلوا على بعض المياه فنبحت الكلاب، فقالت عائشة: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب، فتذكرت الحديث السابق، قالت: ما أظنني إلا راجعة، ثم ساروا بها، فلما تلاقى العسكران واقتتلوا وقتل طلحة ﵁ وبلغت القتلى ثلاثة عشر ألفًا وعقروا جمل عائشة ﵂ واحتملها محمد إلى عند علي ﵁ فلم يعنفها، وتذكر الحديث فأرجعها إلى مأمنها_ انتهى.
وفي سنة سبع وخمسين توفيت أم المؤمنين عائشة ﵂ تزوجها ﷺ بكرًا، وكانت أحب الناس إليه، وكانت من أعلم الناس، ودفنت بالبقيع والله أعلم.
[٢٨]
حفصة ﵂
أم المؤمنين بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وهي شقيقة عبد الله، أمها زينب بنت مظعون، تزوجها رسول الله ﷺ سنة ثلاث على راس ثلاثين شهرًا من الهجرة، وقيل: سنة لاثنتين، وكانت قبله عند خميس بن حذافة ﵁ فمات بجراحات أصابته في بدر، وكانت ولادة حفصة قبل النبوة بخمس سنين، وروي عن عمر ﵁ أنه قال: لما تأيمت حفصة من خنيس لقيت عثمان ﵁ بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في ذلك، فليثبت ليالي، فلقيني فقال: ما أريد أن أتزوج يومي هذا، قال عمر ﵁ فلقيت أبا بكر له فقلت له ما قلت لعثمان، فلم يرجع علي شيئًا، فكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي فخطبها ﷺ فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين لم أرجع عليك شيئًا؟ فقلت: نعم. قال: ذاك لأني سمعت رسول الله [صلى الله] عليه وسلم، يذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله ﷺ، فلو تركها لنكحتها، أخرجه البخاري، كذا في كتاب "شرح ذات الشفا" وذكر في "المعالم". قالت عائشة ﵂: كان ﷺ يحب الحلواء ويحب العسل، وكان ذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة عسلًا، فسقت رسول الله ﷺ [منها] شربة، فقلت: أما والله لنحتالن له، فذكرت ذلك لسودة وقلت: إذا دخل عليك رسول الله فقولي له: أكلت مغافير؟ فإن قال لا، فقولي له: ما هذه الريح. ثم قلت لصفية كذلك، فلما دخل ﷺ على سودة قالت له: أكلت مغافير؟ قال: لا.
قالت. فما بال هذه الريح؟ قال ﷺ: سقتني حفصة شربة عسل، قالت: جرست نحلة العرفط فلما دخل علي ﷺ قلت له مثل ذلك، فلما دخل علي صفية قالت له مثل ذلك. فلما دخل على حفصة قالت له: ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي به.
1 / 48