أتى السبيُّ فيه أختُ رضاعِ ... وضعَ الكفرُ قدرها والسّباءُ
بسط المصطفى له من رداءٍ ... أي فضلٍ حواهُ ذاكَ الرداءُ
فحباها بّرًا توهّمت النّاسُ ... به، إنّما النساءُ هداءُ
وتوفيت آمنة أمه ﷺ وعمره أربع أو ست سنين، وقيل: سبع سنين وقيل: ثمان سنين، وقيل تسع سنين، وقيل اثنتي عشر سنة وشهرًا وعشرة أيام، والأول أرجح ثم الثاني.
وروى أبو نعيم عن أسماء بنت أبي رهم، عن أمها قالت: شهدت آمنة في علتها ومحمد ﷺ غلام يقع عند رأسها، له خمس سنين، فنظرت إلى وجهه ﷺ ثم قالت شعرًا:
باركَ فيكَ الله من غلامٍ ... يا ابنَ الذي من حومةِ الحمامِ
نجا بعونِ الملكِ المنعام ... فدى غداةَ القرعِ بالسّهامِ
بمائةٍ من إبلٍ سوامٍ ... إن صحَّ ما أبصرتُ في المنامِ
فأنتَ مبعوثٌ إلى الأنامِ ... من عند ذي الجلالِ والإكرامِ
تبعثُ في الحلِّ وفي الحرامِ ... تبعثُ بالتخفيف والإسلامِ
دينُ أبيكَ البرِ إبراهام ... فالله أنهاكَ عن الأصنامِ
أن لا تواليها مع الأقوامِ
ثم قالت: كل حي ميت، وكل جديد بالٍ. وأنا ميتة وذكري باق. وقد تركت خيرا، وولدت طهرا. ثم ماتت فكنا نسمع نواح الجن عليها، وكان موتها بالأبواء موضع قريب إلى المدينة، وكان موتها وهي راجعة به ﷺ من المدينة من زيارة أخواله، فمكث عندهم شهرًا، ومرضت في الطريق ومعها أم أيمن بركة، فماتت ودفنت بالأبواء وقيل: بالحجون في شعب أبي ذر، وفي "القاموس" دار رابعة بمكة مدفن آمنة، وتوفيت آمنة ولها من العمر نحو عشرين سنة. وعن عائشة ﵂ قالت: حج بنا رسول الله ﷺ حجة الوداع فمر على عقبة الحجون، وهو باك حزين مغتم، فبكيت لبكائه، ثم طفق يقول: "يا حمراء استمسكي فاستندت إلى جانب البعير، فمكث عني طويلًا ثم عاد وهو فرح مبتسم، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله نزلت من عندي وأنت باك حزين ثم عدت إلي وأنت فرح مبتسم فمم ذاك؟ قال "ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها فأحياها فآمنت فردها الله تعالى وفي "الأشباه والنظائر"لابن نجيم، من مات على الكفر أبيح لعنه إلا والدي رسول الله ﷺ لثبوت أن الله أحياهما له حتى آمنا به. كذا في "مناقب الكردري" وما أحسن ما قاله الشيخ شمس الدين، محمد بن ناصر الدين الدمشقي شعرًا:
حبُّ النّبيّ مزيدُ فضلٍ ... على فضلٍ وكان به رؤوفا
فأحيا أمّهُ وكذا أباهُ ... لإيمانٍ به فضلًا مسيّفا
فسلّم فالقديمُ بذا قديرٌ ... وإن كانَ الحديثُ به ضعيفا
1 / 32