قال ابن عباس ﵁: كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعًا في ثلاثين ذراع، وطوله في السماء ثلاثون ذراعًا. وقال مقاتل: طوله ثمانون ذراعا في ثمانين، وطوله في السماء ثمانون، وقيل: طوله ثمانون ذراعًا وعرضه أربعون ذراعا وارتفاعه ثلاثون وقيل: كان سريرًا ضخما مضربا من الذهب، مكللا بالدر والياقوت والزمرد، وعليه سبعة أبيات، على كل بيت باب مغلق وكان في ملكها في أيام سليمان ﵇ فاتفق أن سليمان ﵇ سار في الجهاد، وكانت الطيور تظله من الشمس، والهدهد دليله إلى الماء، يعرف الماء تحت الأرض، ويراه كما يرى في الزجاج، ويعرف قريبه وبعيده، فينقر الأرض ثم تجيء الشياطين فيخرجون الماء. فنزل سليمان منزلا فاحتاج إلى الماء فتفقد الهدهد فلم يجده، فقال: ما لي لا أرى الهدهد؟ وكان سليمان قد وافى نحو صنعاء ورأى أرضا حسنة تزهر خضرتها، فنزل هناك، وقال الهدهد في نفسه: إن سليمان قد اشتغل بالنزل، فأرتفع نحو السماء وأنظر إلى طول الدنيا وعرضها، ففعل، ورأى بستان بلقيس فنزل إليه فوجد هناك أيضًا هدهدا مثله واسمه عنفير، واسم هدهد سليمان يعفور فقال عنفير ليعفور: من أين أقبلت، وإلى أين تريد؟ قال: من الشام مع سليمان بن داود، فقال عنفير: من سليمان؟ قال يعفور: ملك الجن والشياطين والإنس والطير والوحش والهوام والرياح، فمن أنت؟ قال عنفير: أنا من هذه البلاد. فقال له: ومن يملكها؟ قال بلقيس، وتحت يدها اثنا عشر ألف قائد، تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل، فهل لك أنت تنطلق معي حتى تنظر إلى ملكها؟ فانطلق معه، ونظر إلى بلقيس وملكها، ورجع إلى عند سليمان وقت العصر، وكان سليمان قد سأل النسر عن الهدهد، فقال: ما أدري أين هو؟ فغضب سليمان وقال: لأعذبنه أو لأذبحنه، ثم دعا بالعقاب سيد الطيور فقال: علي بالهدهد. فرفع العقاب نفسه بالهواء فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحو اليمن فانقض عليه، فناشده الله وقال له: ارحمني فولى عنه العقاب فقال له: إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك، ثم توجها فلما وصلا العسكر لقبه النسر والطير فقالوا له أين كنت فلقد توعدك سليمان. وأخبروه. فقال الهدهد: وما استثنى قالوا: بلى، قال أو ليأتيني بسلطان مبين. قال: نجوت إذًا، ثم أتيا سليمان، فقال العقاب أتيتك به، فلما قرب الهدهد رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض. فلما دنا منه أخذ برأسه، وقال له: أين كنت؟ لأعذبنك عذابا شديدًا، فقال الهدهد: جئتك بسلطان مبين، فعفا عنه، وسأله ما: الذي أبطأك عني؟ فقال قوله تعالى: (أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم) الآية. قال سليمان للهدهد قوله تعالى: (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) فدلهم الهدهد على الماء فشربوا ورووا الدواب، ثم كتب كتابا: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ، بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى. أما بعد، ألا تعلوا علي، وأتوني مسلمين، ولما تم الكتاب طبعه بالمسك. وختمه بخاتمه، قال للهدهد: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم، ثم تول عنهم وتنح وكن قريبًا منهم فانظر، ماذا يرجعون؟ فأخذ الهدهد الكتاب وسار به إلى اليمن، وأتى بلقيس فكانت بأرض يقال لها مأرب تبعد عن صنعاء ثلاثة أيام، فوافها في قصرها وقد غلقت الأبواب، لأنها كانت إذا رقدت غلقت الأبواب، ووضعت المفاتيح تحت رأسها فأتاها الهدهد وهي نائمة على قفاها، فألقى الكتاب على نحرها، هكذا رواه قتادة، وقال مقاتل: حمل الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس بلقيس، وحولها القادة والجنود فرفرف، ورفعت رأسها بلقيس تنظر إليه، فألقى الكتاب في حجرها، وقال ابن منبه: كان لها كوة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع فإذا رأتها سجدت لها: فجاء الهدهد وسد الكوة بجناحيه، فارتفعت الشمس ولم تعلم بلقيس فقامت تنظر إليها، فرمى الهدهد الكتاب إليها، فأخذته بلقيس وقرأه، فلما رأت الخاتم ارتعدت وعلمت أن الذي أرسله أعظم ملكًا منها فخرجت وجلست على سريرها وجمعت قومها وهم اثنا عشر قائدًا مع كل قائد مائة ألف مقاتل. وعن ابن عباس: كان مع بلقيس مائة ألف قيل مع كل قيل مائة ألف، والقيل ملك دون الملك الأعظم. وقال مقاتل: أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، كل واحد منهم على عشرة آلاف، فقالت لهم بلقيس (إني ألقي إلي كتاب كريم، إنه من
1 / 19