قال أحمد: يعنى بالرطوبة الروحانية الرطوبة التى فى الروح الصاعد؛ وليست هذه الرطوبة التى فى النفس، لأن هذه الرطوبة كالطل الذى يلتقط الهواء، فضلا عن الأركان. والرطوبة التى فى النفس كالدهن الذى لا يكاد يفارق الشىء عند ملاقاة الأركان. وإذا فارق الركن وباعده جذب معه الشىء المخالط. وهذه الرطوبة الروحانية تضبط النفس وقتما تحتاج إلى ضبطه. فإذا أردت أن تفارقه فارقته بأهون التدبير؛ والدهنية بخلاف ذلك كما مثلت. وسأمثل مثالا يكون الرائد فى معرفة الطالب: لو أن ثوبا غمس فى الماء، ثم قابله بعض الحرارة النارية أو الهوائية لفارقه الرطوبة وبقى الثوب على حالته. ولو غمس فى الدهن، ما كان يفارقه بالحرارة النارية والهوائية دون أن يبطل الثوب. والسبيل فى النفس هذا السبيل — فتفهم ! — ولا يكاد يفارق الثوب الدهن إلا بالرطوبة وملاقاة بعض الأركان اليابسة؛ وهو شبيه بما دبرناه فى أمر النفس.
قال أفلاطون: والجسد إذا أفردته فاحمل عليه الحرارة واليبس لتنقيه جدا، يعنى النار.
قال أحمد: يأمر أن نبالغ فى تكليس الجسد بعد إفراده ليبقى ويصفو ويخرج فضوله وما كان فى نهاية التفاوت. وإنما يأمر أن يفعل ذلك بعد الإفراد لأن الجسد إذا كان مخالطا للشىء المتفاوت للروح والنفس، فارق النار وتفرق؛ إذ النفس والروح من طبعهما الذهاب والفراق. فإذا خالطا الجسد فارقاه بافتراقهما.
قال أفلاطون: والجسد بعد التكليس الشديد لا يكون منه التشبث بالنفس والروح كما كان.
قال أحمد: إن الحاجة إلى الشىء الذى أخبر به الفيلسوف أنه فى الجسد، من ترك التشبث، شديدة. وذلك العمل هو رد الشىء إلى أقرب مشاكلة للبسيط. وإذا كان كذلك فإنه لا يثبت فى دار الطبيعة إلا بمركب يركبه. فإذا حل الجسد بهذا المحل كان مثبتا للشىء من غير أن يداخله ويخالطه. والتفاوت والتركيب أكثر ما يكونا بالمداخلة والمخالطة.
قال أفلاطون: وإنما صار لا يقبله لأن التدبير قد أحله بالمحل الذى يقبل الأثر من الشىء الضعيف. فكيف من النار؟! — إلى أن قال: فغيره عن التركيب الأول فلم يجانس.
قال أحمد: إن الشىء المدبر تلطف أجزاؤه فيسرع فيه التأثير. فالنار إذا لقى الجسد المدبر أثر فيه تأثيرا يغيره عن ماهيته الأولى فلا يكاد يجانس ما كان فارقه من الروح والنفس.
পৃষ্ঠা ২২৮