$ سؤال عمن يقول إن صفات الرب نسب وإضافات وغير ذلك بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما
أما بعد فهذا فصل مختصر من سؤال سئل عنه شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى
ما يقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين فيمن قال إن صفات الرب لا تتعددو لا ينفصل بعضها عن بعض إلا في مراتب العبارات وموارد الإشارات فإذا أضيف علمه إلى الإطلاع على ضمير الصغير والكبير يقال بصير وإذا ابتدر منه الرزق يقال رزاق وإذا أفاض من مكنونات علمه على قلب أحد من الناس بأسرار إلاهيته ودقائق جبروت ربوبيته يقال متكلم وليس بعضه آلة السمع وبعضه آلة البصر وبعضه آلة الكلام بل كله بكلية ذاته لا يشغله شيء عن شيء
فهل هذا القول صواب أم لا أفتونا مأجورين
الجواب
পৃষ্ঠা ১৫৫
الحمد لله رب العالمين ليس هذا القول صوابا وإن كان بعضه صوابا بل هذا القول قرع باب الإلحاد وتوطئه سبيل الإتحاد فإن هذا القول هو قول غلاة نفاة الصفات الجهمية من متفلسف وقرمطي واتحادي ونحوهم وليس هو قول المعتزلة والنجارية والضرارية والشيعة ونحوهم ممن يقول القرآن مخلوق بل هو شر من قول هؤلاء فإن هؤلاء متفقون على أنه خلق في غيره كلاما وأنه متكلم بذلك الذي خلقه في غيره وأن موسى والملائكة يسمعون ذلك الكلام المخلوق الذي هو كلام الله عند هؤلاء المبتدعة
قالوا إنه لا يكون متكلما إلا بكلام يقوم به وإن الكلام إذا قام بمحل كان صفة لذلك المحل لا لغيره كسائر الصفات من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر ونحوه فيقال عالم وقادر وسميع وبصير ونحو ذلك
পৃষ্ঠা ১৫৬
ولهذا قال من قال من السلف من قال
ﵟإنني أنا الله لا إله إلا أناﵞ
سورة طه 14 مخلوق فهو بمنزلة من صدق فرعون في قوله
ﵟأنا ربكم الأعلىﵞ
سورة النازعات 24 لأنه لو كان قوله
ﵟإنني أنا الله لا إله إلا أناﵞ
مخلوقا لكان كلاما للمحل الذي خلق فيه إما الشجرة وإما الهواء فيكون الشجرة أو الهواء هو القائل إنني أنا الله ومن جعل هذا ربا فهو بمنزلة من جعل فرعون ربا وإن كان الله خالق ذلك الكلام في الشجرة والهواء فقد ثبت بالحجة أنه خالق أفعال العباد وأنه أنطق كل شيء فكل ناطق في الوجود هو أنطقه وخلق نطقه فيجب أن يكون كل نطق في الوجود كلامه حتى قول فرعون أنا ربكم الأعلى وحينئذ فلا فرق بين قوله
ﵟإنني أنا اللهﵞ
وبين خلقه على لسان فرعون
ﵟأنا ربكم الأعلىﵞ
وهذا اللازم تفر منه المعتزلة وغيرهم إذ هم لا يقرون بأن الله خالق أفعال العباد لكن يلزمهم بالحجة ما يخلقه الله من الكلام مثل إنطاق الجلود وتسبيح الحصى وتسليم الحجر عليه السلام وشهادة الألسنة والأيدي والأرجل فإن هذا ليس من أفعال العباد بل ذلك خلق الله فيلزمهم أن يقولوا ذلك كله كلام الله وهو باطل وهم لا يلتزمونه
وإنما التزم مثل هذا الإتحادية والحلولية الذين يقولون إنه وجود المخلوقات أو هو سار في جميع المخلوقات كما قال قائلهم
وكل كلام في الوجود كلامه
سواء علينا نثره ونظامه
$
পৃষ্ঠা ১৫৭
ومن هؤلاء من يفرق بين قول الحلاج وأمثاله أنا الحق وبين قول فرعون أنا ربكم الأعلى بأن الحلاج وأمثاله قالوا ذلك وهم فانون فالحق نطق على ألسنتهم لغيبتهم عن شهود أنفسهم وأما فرعون وأمثاله ممن هم في شهود أنفسهم فقالوه مع رؤيتهم أنفسهم وحاصله أن الله تعالى هو الذي نطق على لسان الحلاج وأمثاله
وهذا شر من قول من يقول القرآن مخلوق خلقه الله في الهواء ونحوه لأن الجماد ليس له نطق يضاف فوجود الكلام فيه شبهة توجب جعله كلاما لغيره أما الإنسان الحي إذا وجد منه مثل هذا الكلام مضافا إلى نفسه وجعل المتكلم به هو الله فهذا صريح بحلول الحق فيه واتحاده به كما تقوله النصارى في المسيح
ومعلوم أن النصارى أكفر من المعتزلة ومعلوم بالإضطرار من العقل والدين أن الله لم يتكلم على لسان بشر كما يتكلم الجنى على لسان المصروع ولكن يبعث الرسل فيبلغون كلامه والمرسل يقول لرسوله قل على لساني كذا ويقول كلامي على لسان رسولي فلان أي كلامي الذي بلغه عني
পৃষ্ঠা ১৫৮
ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قال على لسان نبيه سمع الله لمن حمده أي هذا من الكلام الذي بلغه الرسول عن الله كما قال تعالى
ﵟفإنما يسرناه بلسانكﵞ
سورة الدخان 57 كما يقول المرسل قد قلت لكم على لسان رسولي فلان كذا وكذا
وهذا كما أن القول يضاف إلى الرسول لأنه بلغه وأداه فيضاف إلى جبريل تارة وإلى محمد صلى الله عليه وسلم أخرى كما قال في آية
ﵟإنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرونﵞ
سورة المائدة 40 42 فهذا محمد وقال في الآية الأخرى
ﵟإنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمينﵞ
سورة التكوير 19 21 فهذا جبريل
وأما جمهور العلماء من أهل الفقه والحديث والتصوف والكلام فطردوا الدليل وأثبتوا لله صفات فعلية تقوم بذاته وهذا هو المعلوم الذي دل عليه العقل واللغة والشرع
পৃষ্ঠা ১৫৯
فالناس ثلاث مراتب منهم من نفى قيام الصفات والأفعال به كالمعتزلة ومنهم من أثبت قيام الصفات به دون الأفعال كالكلابية ومنهم من أقر بقيام الصفات والأفعال وهم جمهور الأمة كما ذكرته الحنفية في كتبهم وكما ذكره البغوي وغيره من أصحاب الشافعي عن أهل السنة وكما ذكره أبو إسحاق ابن شاقلا وأبو عبدالله بن حامد والقاضي أبو يعلى في آخره قوليه وابنه أبو الحسين وغيرهم من أصحاب أحمد وذكره أبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي عن الصوفية في كتاب التعرف في مذاهب التصوف وذكره من ذكره من أئمة المالكية وذهب إليه طوائف من أهل الكلام من المرجئة والشيعة والكرامية وذهب إليه جمهول أهل الحديث
والمقصود هنا أن الجهمية من المعتزلة ونحوهم الذين قالوا القرآن مخلوق وقد عرف مقالات السلف في تكفيرهم وتضليلهم هم خير قولا من أصحاب هذا القول المذكور في السؤال القائلين إذا فاض من مكنونات علمه على قلب أحد من الناس بأسرار إلاهيته ودقائق جبروت ربوبيته يقال متكلم فإن هذا قول من لا يجعل لله كلاما قائما به كما يقوله الذين يقولون إنه خلق كلاما بائنا منه وقد قال الإمام أحمد كلام الله من الله ليس بائنا منه والقرآن الذي أنزله هو كلامه لا كلام غيره إذ الكلام كلام من قاله مبتدئا لا كلام من قاله مبلغا مؤديا
পৃষ্ঠা ১৬১
ولهذا قال السلف والأئمة القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود فقولهم منه بدأ نبهوا به على مخالفة الجهمية الذين قالوا إنه خلقه في غيره منفصلا عنه فقال أهل السنة منه بدأ لم يبتدىء من غيره من الموجودات كما قال تعالى
ﵟوإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليمﵞ
سورة النمل 6 وقال
ﵟولكن حق القول منيﵞ
سورة السجدة 13 وقال
ﵟكتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبيرﵞ
سورة هود 1 ولا نجعل لله كلاما مخلوقا في غيره منفصلا عنه كما قالته المعتزلة ونحوهم من الجهمية
فإن هؤلاء وإن كان قولهم من أعظم القول فرية وظلالا فهو أقل كفرا وضلالا من قول أهل القول المسئول عنه القائلين إذا فاض من مكنون علمه على قلب أحد من الناس فإن هؤلاء لم يجعلوه متكلما إلا بما جعله في القلوب من العلم
وهذا في الأصل قول المتفلسفة والصابئة ونحوهم الذين لا يجعلون لله كلاما إلا ما أفاضه على قلوب العباد من العلوم والمعارف ويجعلون تكليمه للعباد نوع تعريف يعرفهم به الأمور ويقولون إنه تتشكل في نفس الشيء أشكال نورانية هي ملائكة الله عندهم وأصوات قائمة بنفسه هي كلام الله عندهم ويزعمون أن تكليم الله لموسى هو من هذا الباب إنما هو فيض فاض عليه من العقل الفعال أو من غيره وقد يجعلون العقل الفعال هو جبريل وليس التكليم عندهم مختصا بأحد ولكنه يفيض بحسب استعداد النفوس
পৃষ্ঠা ১৬২
وعلى قولهم فجميع الخلق يكلمهم تكليما كما كلم موسى وكل كلام صادق تكلم به ذو نفس صافية فهو كلام الله كما أن القرآن كلام الله فيلزمه أن كل ما تكلم به الأنبياء فمن دونهم من الخبر الصادق والأمر بالخير هو كلام الله وأن ذلك كله من نوع القرآن وأن يكون القرآن كلام البشر ولا فرق عندهم بين قول البشر وقول الله بل يلزمهم أن جميع ما يتكلم به البشر كلام الله من أجل أن ذلك يفيض على قلوب البشر حتى الكذب والكفر فإن جهة الإفاضة واحدة في الجميع وكل ما يلزم القائلين بأن القرآن مخلوق يلزم هؤلاء وزيادة فإن أولئك يجعلونه مخلوقا خارجا عن نفس النبي وهؤلاء لا يجعلون له محلا إلا نفس النبي
পৃষ্ঠা ১৬৩
وهذا القول هو قول المتفلسفة ووقع فيه طوائف من المنتسبين إلى الملل من اليهود والنصارى ومن المنتسبين إلى المسلمين ممن خلط الفلسفة بالتصوف مثل أهل الكلام المسئول عنه وأمثاله ومثل ما وقع لأبي حامد في كتاب المضنون به على غير أهله الأول والثاني ونحو ذلك من المصنفات مثل مشكاة الأنوار ومسائل النفخ والتسوية وكيمياء السعادة وجواهر القرآن وما يشير إليه أحيانا في الإحياء وغيره فإنه كثيرا ما يقع في كلامه ما هو مأخوذ من كلام الفلاسفة ويخلطه بكلام الصوفية أو عباراتهم فيقع فيه كثير من المتصوفة الذين لا يميزون بين حقيقة دين الإسلام وبين ما يخالفه من الفلسفة الفاسدة وغيرها لا سيما إذا بني على ذلك واتبعت لوازمه فإنه يفضي إلى قول ابن سبعين وابن عربي صاحب الفصوص وأمثالهما ممن يقول بمثل هذا الكلام وحقيقة مذهبهم يؤول إلى التعطيل المحض وأنه ليس للعالم رب مباين له بل الخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق
كما قال صاحب الفصوص ومن أسمائه الحسنى العلي على من وما تم إلا هو أو عن ماذا وما هو إلا هو فعلوه لنفسه وهو من حيث الوجود عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو
إلى أن قال فهو الأول والآخر والظاهر والباطن فهو عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم يبطن عنه سواه فهو ظاهر لنفسه باطن عنه وهو المسمى أبو سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات
পৃষ্ঠা ১৬৪
إلى أن قال ومن عرف ما قررناه في الأعداد وأن نفيها عين إثباتها علم أن الأمر الخالق المخلوق وأن الأمر المخلوق الخالق كل ذلك من عين واحدة لا بل هو العين الواحدة وهوالعيون الكثيرة
ﵟفانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمرﵞ
سورة الصافات 102 فالولد عين أبيه فما رأى يذبح سوى نفسه وفداه بذبح عظيم فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان وظهر بصورة ولد من هو عين الوالد
ﵟوخلق منها زوجهاﵞ
سورة النساء 1 فما نكح سوى نفسه
إلى أن قال فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية سواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا وليس ذلك لأحد إلا لمسمى الله خاصة
وقال ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات وأخبر بذلك عن نفسه وبصفات النقص والذم ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها فكلها حق له كما هي صفات المحدثات حق للحق
পৃষ্ঠা ১৬৫
وقال أيضا
ﵟومكروا مكرا كباراﵞ
سورة نوح 22 لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو لأنه ما عدم إلى البداية فيدعى إلى الغاية ادعوا إلى الله فهذا عين المكر
إلى أن قال فقالوا في مكرهم
ﵟلا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداﵞ
سورة نوح 23 فإنهم لو تركوهم تركوا من الحق على قدر ما تركوا من صفات هؤلاء فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله كما قال في المحمدين
ﵟوقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياهﵞ
سورة الإسراء 23 أي حكم فالعالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية فما عبد غير الله في كل معبود
পৃষ্ঠা ১৬৬
وقال أيضا فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمنه بأن الله قد قضى ألا يعبد إلا إياه وما حكم الله بشيء إلا وقع فكان عيب موسى أخاه هارون لما وقع من إنكاره وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء
وقال أيضا ولما كان فرعون في مرتبة التحكم وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال
ﵟأنا ربكم الأعلىﵞ
سورة النازعات 24 أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم ولما علمت السحرة صدقه فيما قال لم ينكروه وأقروا له بذلك وقالوا له إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض فالدولة لك فصح قوله
ﵟأنا ربكم الأعلىﵞ
পৃষ্ঠা ১৬৭
إلى أمثال ذلك من هذا الكلام الذي يسميه أصحاب مذهب الوحدة ويقولون إن الوجود واحدكما يقوله ابن عربي صاحب الفتوحات وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم عليهم من الله ما يستحقونه فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجودا مباينا لوجود المخلوق وهو جامع كل شر في العالم ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجودا مباينا لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئا ومن الكلام الفساد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئا ومن كلام القرامطة والباطنية شيئا فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخس المطالب ويثنون على ما يذكر من التصوف المخلوط بالفسلفة كما يوجد في كلام أبي حامد ونحوه مما هو مأخوذ من رسائل إخوان الصفا وأمثالهم ممن يريد أن يجمع بين ما جاءت به الكتب الإلهية والرسل المبلغون عن الله عز وجل وما تقوله الصابئة المتفلسفون في العلم الإلهي فيذكرون أحاديث موضوعة وربما حرفوا لفظها كما يذكرون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل فقال له أدبر فأدبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك فبك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وبك العقاب
وهذا الحديث موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بالحديث ولفظة أول ما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل وروى لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل فمعناه أنه خاطبه في أول أوقات خلقه فغيروا لفظه وقالوا أول ما خلق الله العقل ليوافق ذلك مذهب المشائين من المتفلسفين أتباع أرسطو القائلين أول الصادرات عنه العقل
পৃষ্ঠা ১৬৮
وقد بسطنا الكلام في بيان فساد ذلك شرعا وعقلا وبينا أن بين هؤلاء وبين الرسل من المباينة أعظم مما بين اليهود والنصارى وبين المسلمين وأن اليهود والنصارى إذا لم يتفلسفوا كانوا أقرب إلى الحق من هؤلاء فإن تفلسف اليهودي والنصراني كان كفره من جهتين
وهذه الكتب المضافة إلى أبي حامد مثل الكتابين المضنون بهما على غير أهلهما وأمثالهما ما زال أئمة الدين ينكرون ما فيهما من الباطل المخالف للكتاب والسنة ثم من الناس من يكذب نسبة هذه الكتب إليه ومنهم من يقول وهو أشبه رجع عن ذلك كما ذكر في كتب أخرى ذم الفلاسفة وتكفيرهم وذكر عبدالغافر الفارسي في تاريخ نيسابور أنه استقر أمره على مطالعة البخاري ومسلم فكان آخر أمره الرجوع إلى الحديث والسنة والله أعلم
পৃষ্ঠা ১৬৯
فهذا الكلام المذكور في السؤال يوجد نحوه في مثل هذه الكتب التي يجعلها أهلها من كتب الحقائق والأسرار كما قال صاحب كتاب المضنون فصل يتخيل بعض الناس كثرة في ذات الله تعالى من طريق تعدد الصفات وقد صح قول من قال في الصفات لا هي هو ولا غيره وهذا التخيل يقع من توهم التغاير ولا تغاير في الصفات مثال ذلك أن إنسانا تعلم صورة الكتابة وله علم بصورة بسم الله التي تظهر تلك الصورة على القرطاس وهذه صفة واحدة وكمالها أن يكون المعلوم تبعا لها فإنه إذا حصل العلم بتلك الكتابة ظهرت الصورة على القرطاس بلا حركة يد وواسطة قلم ومداد
فهذه الصفة من حيث إن المعلوم انكشف بها يقال له علم ومن حيث إن الألفاظ تدل عليها يقال لها كلام فإن الكلام عبارة عن مدلول العبارات ومن حيث إن وجود المعلوم تبع لها يقال لها القدرة ولا تغاير ههنا بين العلم والقدرة والكلام فإن هذه صفة واحدة في نفسها ولا تكون هذه الإعتبارات الثلاث واحدة
وكل من كان أعور لا ينظر إلا بالعين العوراء ولا يرى إلا مطلق الصفة فيقول هو هو وإذا التفت إلى الإعتبارات الثلاث يقال هي غيره ومن اعتبر مطلق الصفة مع الإعتبارات فقد نظر بعينين صحيحتين اعتقد أنها لا هو ولا غيره
والكلام في صفات الله تعالى وإن كان مناسبا لهذا المثال فإنه مباين له بوجه آخر وتفهيم هذه المعاني بالكتابة غير يسير
فهذا الكلام من جنس الكلام المذكور في السؤال وكلاهما يرجع إلى ما تزعمه المتفلسفة من أن الصفات ترجع إلى العلم إذا أثبتوه
পৃষ্ঠা ১৭০
وقد يقرب من هؤلاء ابن حزم حيث رد الكلام والسمع والبصر وغير ذلك إلى العلم مع أنه لا يثبت صفة لله هي العلم ويجعل أسماءه الحسنى إنما هي أعلام محضة فالحي والعالم والقادر والسميع والبصير ونحوه كلها أسماء أعلام لا تدل على الحياة والعلم والقدرة
وهذا يؤول إلى قول القرامطة الباطنية ونحوهم نفاة أسماء الله تعالى الذين يقولون لا يقال حي ولا عالم ولا قادر وهذا كله من الإلحاد في أسماء الله وآياته قال تعالى
ﵟولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائهﵞ
سورة الأعراف 180
وإذا كان من الإلحاد إنكار اسمه الرحمن كما قال تعالى
ﵟوإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمنﵞ
سورة الفرقان 60 وقال
ﵟقل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنىﵞ
سورة الإسراء 110 وقال تعالى
ﵟوهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متابﵞ
سورة الرعد 30 إلى غير ذلك
পৃষ্ঠা ১৭১
فإذا كان اسمه الرحمن قد أنزل فيه ما انزل فكيف إنكار سائر الأسماء ومعلوم أن اللفظ إذا كان علما محضا لم ينكره أحد ولو كانت أعلاما لم يفرق بين الرحمن والعليم والقدير
وما ذكره صاحب كتاب المضنون مع المتفلسفة من أن العلم بالممكنات هو المقتضى لوجودها معلوم البطلان بأدنى تأمل فإن العلم نوعان علم نظري وعلم عملي فأما النظري وهو العلم بما لا يفعله العالم كعلم الله بنفسه وكعلمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فهذا ليس مقتضيا لوجود المعلوم بالضرورة واتفاق العقلاء وإن كان قد يكون سببا لبعض الأعمال
وأما العلم العملي كعلم الله بمخلوقاته وكعلمنا بمفعولاتنا فهذا العلم وحده ليس موجبا لوجود المعلوم بلا قدرة ولا إرادة وعمل فإنا إذا تصورنا ما نريد فعله لم يكن مجرد تصورنا ما نريد ولم نقدر عليه لم يكن وإذا كنا قادرين على ما نتصوره ولا نريده لم يكن بل لا بد علمنا به وإرادتنا له وقدرتنا عليه
فلو قال قائل علم الله ليس كعلمنا
قيل له وذات الله ليست كذاتنا ولا قدرته وإرادته كقدرتنا وإرادتنا
وهذا السؤال قد بسط الشيخ الكلام عليه وقد اختصر منه وقال في وسط الكلام على هذا السؤال
পৃষ্ঠা ১৭২
بل لكل موجود حقيقة تخصه يتميز بها عما سواء ويباين بها غيره وهذه الحقيقة هي حقيقة الربوبية وبنفيها ضل الجهمية من المعتزلة والفلاسفة والقرامطة والإتحادية وأمثالهم وهي الماهية التي أثبتها ضرار وأبو حنيفة وغيرهما من الكوفيين وخالفهم في ذلك معتزلة البصرة وعلى إثباتها أئمة السنة والجماعة من السلف والخلف ولهذا ينفون العلم بماهيه الله وكيفيته فيقولون لا تجري ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته ببال ومن نفاها من المنتسبين إلى السنة وغيرهم قال ليس له ماهية فتجري في مقال ولا له كيفيه فتخطر ببال
والأول هو المأثور عن السلف والأئمة كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع ويدل عليه صريح المعقول وصحيح المنقول والله سبحانه أعلم
পৃষ্ঠা ১৭৩