وأعترف بأن من موجبات دهشتي أن يعن لبرلمان إنكلترة وعد من يأتي بالمستحيل في اكتشاف خطوط الطول بعشرين ألف جنيه، فلا يفكر هذا البرلمان في السير على غرار لويس الرابع عشر في كرمه نحو الفنون.
ومن الحق أن يقال إن للمزية في إنكلترة جوائز أخرى أكرم للأمة، وذلك أن إثراء ذوي المواهب هو من إكرام هذا الشعب لهم، ولو ظهر مستر أديسن في فرنسة لاختير لبعض الأكاديميات، ولنال راتب 1200 فرنك بفضل بعض النساء، أو لوجدت له أشغال استنادا إلى أنه أبصر في مأساته «كاتون» بعض السمات ضد بواب رجل في مكانه. فأديسن هذا عين وزيرا في إنكلترة، وقد كان مستر نيوتن ناظر نقد المملكة، وكان مستر كنغريڨ يشغل منصبا مهما، وكان مستر بريار وزيرا مفوضا، ومستر سويفت هو عميد أيرلندا، فيجل فيها أكثر من الجثليق
1
وإذا كان دين مستر بوب لا يسمح له بأن يتقلد منصبا؛ فإنه لم يحل دون كسبه من ترجمة أوميرس مائتي ألف فرنك، وما أكثر ما رأيت مؤلف «رادامست» في فرنسة يكاد يموت جوعا. وكان البؤس يلقي جرانه على ابن لأحد أعاظم فرنسة لولا مسيو فاغون. وأكثر ما يشجع الفنون بإنكلترة ما تلاقيه فيها من تبجيل، ومن ذلك أن صورة رئيس الوزراء توجد فوق موقد مكتبه، مع أنني رأيت صورة مستر بوب في عشرين منزلا.
وقد أكرم مستر نيوتن في حياته كما أكرم بعد مماته بما يجب، وقد تنازع أكابر القوم شرف حمل بساط رحمته. وادخلوا وستمنستر لم تعجبوا بقبور الملوك فيها، بل بالآثار التي أقامها اعتراف الأمة بالجميل لأعاظم الناس الذين ساعدوا على بناء مجدها، ومما تشاهدون هنالك تماثيلهم كما تشاهد في أثنة تماثيل أمثال سوفوكل وأفلاطون، وأراني قانعا بأن منظر هذه الآثار المجيدة وحده قد حرك أكثر من ذهن وكون أكثر من عظيم.
حتى إنه وجد من لام الإنكليز على الذهاب بعيدا في إكرام الموهبة البسيطة، ومن ذلك ما وقع من لوم حول دفنهم الكميدية المشهورة، الآنسة ألدفيلد، بمثل ما بجل به نيوتن تقريبا. وقد زعم بعضهم أنهم أبدوا مثل هذا التكريم لذكرى هذه الممثلة كيما يشعروننا بما يلوموننا عليه من القسوة البالغة والجور الخسيس في إلقاء جثة الآنسة لوكوڨرور في مطرح القمامة.
بيد أنني أستطيع أن أقول موكدا: إن الإنكليز لم يشاوروا غير ذوقهم في دفنهم الآنسة ألدفيلد في سان دنيهم، وهم بعيدون كل البعد من استرذال فن أمثال سوفوكل وأريبيد ومن فصل كيان مواطنيهم أولئك الذين حبسوا أنفسهم على تلاوتهم أمام هؤلاء المواطنين ما تباهي به الأمة من آثار.
وحمل منذ عهد شارل الأول، وفي أوائل الحروب الأهلية التي بدئت بالمتزمتين المتعصبين، والتي ذهب هؤلاء أنفسهم ضحيتها في آخر الأمر، كثيرا على التمثيل، مع أن شارل الأول وامرأته، التي هي ابنة ملكنا هنري الكبير، كانا يحبانه كثيرا جدا.
وعن لدكتور، اسمه برين، بالغ الوسواس، كان يعتقد أنه يهلك هلاكا أبديا إذا ما لبس جبة القس بدلا من المعطف القصير، وكان يود لو يقتل نصف الناس تمجيدا لله ونشرا للإيمان، أن يضع كتابا كثير السوء ضد الكميديات التي هي على كل شيء من الإجادة، والتي كانت تمثل كل يوم تمثيلا بريئا جدا أمام الملك والملكة، فاستند إلى برهان الربانيين وبعض نصوص من القديس بونافنتور كيما يثبت أن «إديب » سوفوكل كتاب الشيطان، وأن تيرنس محروم لذات العمل، وأضاف إلى هذا قوله: إن بروتوس، الذي كان ينسينيا شديدا جدا، لم يقتل قيصر، الذي كان كاهنا كبيرا، إلا لأنه ألف مأساة «إديب»، والخلاصة أن برين قال: إن جميع الذين يشاهدون تمثيل رواية يعدون من المحرومين المنكرين لميرونهم
2
অজানা পৃষ্ঠা