والآن، إذا كانت القاعدة التي تثقل بها الأجسام، وتدور حول نقطة مركزية، وتنجذب على نسبة معكوسة من مربعات المساوف صحيحة، وإذا كانت هذه هي ذات القوة التي تسير في جميع الطبيعة وفق هذه القاعدة، فإن من الواضح أن الجرم الثقيل يجب أن يسقط إلى الأرض بخمس عشرة قدما في الثانية الأولى، وبأربعة وخمسين ألف قدم في الدقيقة الأولى، وذلك نظرا إلى بعد الأرض من القمر بستين نصف قطر.
والواقع أن الجرم الثقيل إذا سقط بخمس عشرة قدما في الثانية الأولى، وقطع أربعة وخمسين ألف قدم في الدقيقة الأولى، كان هذا العدد مربع ستين مضروبة بخمسة عشر؛ ولذا فإن الجرم يثقل بنسبة معكوسة لمربعات المساوف؛ ولذا فإن ذات القوة تأتي بالثقل على الأرض وتمسك القمر في مداره.
إذن، فبما أنه أثبت أن القمر يثقل على الأرض التي هي مركز حركته الخاصة، فإنه أثبت أن الأرض والقمر يثقلان على الشمس التي هي مركز لحركتهما السنوية.
ويجب أن تخضع السيارات الأخرى لهذا القانون العام، وإذا كان هذا القانون موجودا وجب على هذه السيارات أن تتبع القواعد التي وجدها كبلر، والواقع أن السيارات تحافظ على جميع هذه القواعد وهذه النسب محافظة دقيقة إلى الغاية؛ ولذا فإن قوة الجذب تثقل جميع السيارات نحو الشمس - كما هو أمر كرتنا - ثم بما أن رد فعل كل جرم يكون على نسبة الفعل، فإن مما يعد ثابتا كون الأرض تثقل على القمر بدورها، وكون الشمس تثقل على كل منهما، وكون كل من أقمار زحل يثقل على الأربعة، وكون الأربعة تثقل عليه، وكون الخمسة كلها تثقل على زحل، وكون زحل يثقل على الجميع، وقل مثل هذا عن المشترى وعن جميع هذه الكرات التي تجذبها الشمس فتجذب الشمس تبادلا.
وتؤثر قوة الجذب هذه بنسبة المادة التي تشتمل عليها الأجرام، وهذه حقيقة أثبتها مستر نيوتن بالتجارب، ومن نفع هذا الاكتشاف الجديد أن دل على أن الشمس التي هي مركز جميع السيارات، تجذب جميع هذه السيارات على نسبة كتلها مباشرة مع النظر إلى بعد هذه الكتل، وهكذا ارتقى مستر نيوتن بالتدريج حتى المعارف التي كان يلوح أنها خارجة عن نطاق ذهن الإنسان، فجرؤ على حسابه مقدار المادة التي تشتمل عليها الشمس، وكل واحدة من السيارات، وهكذا فإنه بين مستعينا بقوانين الميكانيك البسيطة، وجوب كون كل كرة سماوية في المكان الموجودة فيه، ومن شأن مبدئه الوحيد في سنن الجاذبية تعليل جميع التفاوتات الظاهرة في مجرى الكرات السماوية، وتغدو اختلافات القمر نتيجة لازمة لهذه السنن؛ وفضلا عن ذلك يتضح السبب في كون عقد القمر تتم دورها في تسع وعشرين سنة، وفي كون عقد الأرض في الفضاء تتم دورها في نحو ست وعشرين ألف سنة. وكذلك فإن الجزر والمد نتيجة بالغة البساطة لهذه الجاذبية، وما يكون من قرب القمر في بدره وهلاله وما يكون من بعده في أرباعه، مضافا إلى عمل الشمس، أمر يعلل به ارتفاع البحر وانخفاضه تعليلا محسوما.
وقد أخضع نيوتن النجوم المذنبة لحكم القانون عينه، بعد أن بين بنظريته العالية سير النجوم وتفاوت السيارات، وأخيرا وضع نيوتن في مكانها هذه النيران التي ظل أمرها مجهولا دهرا طويلا، والتي كانت هول العالم وهوة الفلسفة، والتي جعلها أرسطو تحت القمر وأقصاها ديكارت إلى ما فوق زحل.
ويثبت أن الأجرام الصلبة هي التي تتحرك ضمن دائرة عمل الشمس، فترسم خطا إهليلجيا بالغا من الابتعاد عن المركز والاقتراب من القطع المكافئ ما يجب على بعض النجوم المذنبة أن تدور معه أكثر من خمسمائة سنة كيما تضعه.
ويعتقد مستر هاله أن مذنب سنة 1680 هو عين المذنب الذي ظهر في زمن يوليوس قيصر، وذلك المذنب على الخصوص هو ما يصلح أكثر من غيره لإظهار كون المذنبات أجراما صلبة غير شفافة، وذلك أنه يبلغ من الدنو من الشمس ما لا يبتعد معه عنها غير ما يعدل سدس قرصها، ومن ثم يكتسب درجة من الحرارة أشد من درجة الحديد البالغ الالتهاب بألفي مرة، وكان لا بد من انحلاله واستنفاده في وقت قصير لو لم يكن جسما غير شفاف، وهنالك صار من العادة أن يتنبأ بسير المذنبات، فانتهى الرياضي الشهير جاك برنولي بنظامه إلى أن مذنب سنة 1680 المشهور، سيظهر ثانية في 17 من مايو سنة 1719، ولم ينم فلكي بأوروبة في ليلة 17 من مايو، ولكن المذنب المشهور لم يظهر قط، ويكون من فرط الحيلة على الأقل - عند عدم الضمان - أن يعطى هذا المذنب 575 سنة حتى يعود، وهنالك عالم هندسي إنكليزي اسمه ويلستن، كان عريقا في الوهم فوكد بجد ظهور مذنب في زمن الطوفان غمر كرتنا الأرضية بالماء، فكان من عدم الإنصاف ما دهش معه من الاستهزاء به، وكانت القرون القديمة تفكر وفق ذوق ويلستن تقريبا، فالناس في هذه القرون اعتقدوا أن النجوم المذنبة تنذر دائما بحدوث كارثة عظيمة في الأرض، وعلى العكس يخيل إلى نيوتن أن المذنبات كثيرة الإحسان، فلا يقوم الدخان الذي يخرج منها بغير إمداد السيارات، وإنعاشها في أثناء جريانها بما تبتل به من الأجزاء الصغيرة التي تفصلها الشمس عن المذنبات، فهذا الإحساس أكثر احتمالا من الآخر.
وليس هذا كل ما في الأمر، فإذا كانت قوة الجذب هذه تؤثر في جميع الكرات السماوية، فإنها تؤثر في جميع أجزاء هذه الكرات لا ريب؛ وذلك لأن الأجرام إذا كانت تتجاذب على نسبة كتلها، فإن هذا لا يمكن أن يكون إلا على نسبة كمية أجزاء هذه الكتل، وإذا كانت هذه القوة مستقرة بالكل، فإن مما لا شك فيه أن تكون مستقرة بالنصف والربع والثمن، وهكذا إلى ما لا حد له. وفضلا عن ذلك فإن هذه القوة إذا لم تكن متساوية في كل جزء، فإنه لا بد من وجود نواح من الكرة تجذب أكثر من الأخرى - وهذا لا يقع - ولذا فإن هذه القوة توجد بالحقيقة في جميع المادة وفي أصغر أجزاء المادة.
وهكذا فإن الجاذبية هي النابض الكبير الذي يحرك جميع الطبيعة.
অজানা পৃষ্ঠা