ومهما يكن من أمر فإن الناس كانوا يعرفون الذهاب إلى أقاصي الدنيا، وإنهم كانوا يعرفون تدمير المدن بصواعق مصنوعة أشد هولا من الصواعق الحقيقية، ولكن من غير أن يعرفوا الدورة الدموية وثقل الهواء وسنن الحركة والضياء وعدد سياراتنا، إلخ. وكان الرجل إذا ما أيد نظرية حول مقولات أرسطو، أو حول «نصيب المذنب» أو غير ذلك من الحماقات، عد نادرة الزمان.
وليست أدعى الاختراعات إلى العجب وأكثرها نفعا هي أكثر ما يشرف الذكاء البشري.
وترانا مدينين بجميع الحرف للغريزة الآلية الموجودة عند معظم الناس، لا للفلسفة الصحيحة.
ولاكتشاف النار، وفن صنع الخبز، وصهر المعادن وإعدادها، وبناء البيوت، واختراع المكوك ضرورة غير ما للمطبعة والبوصلة، ومع ذلك فإن اختراع الحرف قد وقع من قبل أناس لا يزالون متوحشين.
وما أكثر ما يكون من عجب في انتفاع الأغارقة والرومان بالآليات بعدئذ! ومع ذلك فإنه كان يعتقد في زمنهم وجود سماوات من بلور، وأن الكواكب مصابيح صغيرة تسقط في البحار أحيانا، وقد وجد أحد فلاسفتهم العظام، بعد مباحث كثيرة، كون النجوم حصى فصلت عن الأرض.
وحاصل القول أنك لا تجد - قبل الوزير بيكن - أحدا عرف الفلسفة التجربية، ولا تكاد تجد بين التجارب الطبيعية التي حدثت بعده واحدة لم يشر إليها في كتابه، وقد قام بتجارب كثيرة بنفسه، وقد صنع أنواعا من الآلات المفرغة للهواء تنبأ بها مطاطية الهواء، فأدرك توريشلي هذه الحقيقة، ولم يمض على ذلك غير زمن قليل حتى أخذت أقسام أوروبة كلها تقريبا تكب على الفزياء التجربية، فكان هذا كنزا خفيا ساور بيكن أمره، ويتشجع جميع الفلاسفة بوعده فيجدون في نبشه.
ولكن أكثر ما أثار دهشي هو أن أرى في كتابه نصا صريحا على تلك الجاذبية الجديدة التي عد نيوتن مكتشفا لها.
قال بيكن: «يجب أن يبحث عن وجود نوع من القوة المغنطية التي تعمل فيما بين الأرض والأشياء الثقيلة، وبين القمر والمحيط، وبين السيارات، إلخ.»
وقال في مكان آخر: «وجب أن تجذب الأجسام الثقيلة نحو مركز الأرض أو أن يجذب بعضها بعضا مبادلة، ومن الواضح في هذه الحال أن الأجسام، وهي تسقط، كلما دنت من الأرض زاد تجاذبها قوة.» ثم قال مواصلا: «يجب أن يجرب ليرى هل الساعة ذات الأثقال تسير في ذروة الجبل بأسرع مما في أسفل المنجم أو لا، فإذا كانت قوة الأثقال تقل فوق الجبل، وتزيد في المنجم وضح كون الأرض ذات جاذبية حقيقية.»
وكان هذا المبشر بالفلسفة كاتبا رشيقا ومؤرخا لوذعيا أيضا.
অজানা পৃষ্ঠা