اعلم أنه ليس كل من كان لك فيه هوى، فذكره ذاكر بسوء وذكرته أنت بخير ينفعه ذلك أو يضره، فلا يستخفنك ذكر أحد من صديق أو عدو إلا في موطن دفع أو محاماة؛ فإن صديقك إذا وثق بك في مواطن المحاماة لم يحفل بما تركت مما سوى ذلك، ولم يكن له عليك سبيل لائمة، وإن الأحزم في أمر عدوك ألا تذكره، إلا حيث يضره وألا تعد يسير الضر ضرا.
اعلم أن الرجل قد يكون حليما، فيحمله الحرص على أن يقال جليد، والمخافة أن يقال مهين على أن يتكلف الجهل، وقد يكون الرجل زميتا، فيحمله الحرص على أن يقال لسن، والمخافة من أن يقال عيي، على أن يقول في غير موضعه فيكون هذرا، فاعرف هذا وأشباهه، واحترس منه كله.
إذا بدهك أمران لا تدري أيهما أصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه؛ فإن أكثر الصواب في خلاف الهوى.
ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم، فيكون افتقارك إليهم في لين كلمتك وحسن بشرك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك.
لا تجالس امرأ بغير طريقته؛ فإنك إن أردت لقاء الجاهل بالعلم، والجافي بالفقه، والعي بالبيان؛ لم تزد على أن تضيع عقلك، وتؤذي جليسك بحملك عليه ثقل ما لا يعرف، وغمك إياه بمثل ما يغتم به الرجل الفصيح من مخاطبة الأعجمي الذي لا يفقه، واعلم أنه ليس من علم تذكره عند غير أهله إلا عادوه ونصبوا له، ونقضوه عليك، وحرصوا على أن يجعلوه جهلا، حتى إن كثيرا من اللهو واللعب الذي هو أخف الأشياء على الناس، ليحضره من لا يعرفه فيثقل عليه ويغتم به.
ليعلم صاحبك أنك حدب على صاحبه، وإياك إن عاشرك امرؤ ورافقك ألا يرى منك بأحد من أصحابه وأخدانه رأفة؛ فإن ذلك يأخذ من القلوب مأخذا.
وإن لطفك بصاحب صاحبك أحسن عنده موقعا من لطفك به بنفسه.
اتق الفرح عند المحزون، واعلم أنه يحقد على المنطلق، ويشكر للمكتئب.
اعلم أنك ستسمع من جلسائك الرأي والحديث تنكره وتستجفيه من محدث عن نفسه أو عن غيره، فلا يكونن منك التكذيب ولا التسخيف لشيء مما يأتي به جليسك، ولا يجرئنك على ذلك أن تقول إنما حدث عن غيره؛ فإن كل مردود عليه سيمتعض من الرد، وإن كان في القوم من تكره أن يستقر في قلبه ذلك القول لخطأ تخاف أن يعقد عليه، أو مضرة تخشاها على أحد؛ فإنك قادر على أن تنقض ذلك في سر، فيكون أيسر للنقض وأبعد للبغضة.
واعلم أن البغضة خوف، والمودة أمن، فاستكثر من المودة صامتا؛ فإن الصمت يدعوها إليك، وناطقا بالحسنى؛ فإن المنطق الحسن يزيد في ود الصديق، ويسل سخيمة الوغر.
অজানা পৃষ্ঠা