واعلم أن ولي الأمر إذا انقطع عنه الآخر نسي الأول، وأن الكثير من أولئك أرحامهم مقطوعة وحبالهم مصرومة.
إلا عمن رضوا عنه وأغنى عنهم في يومهم وساعتهم.
إياك أن يقع في قلبك تعتب على الوالي أو استزادة له؛ فإنه إن آنست أن يقع في قلبك بدا في وجهك إن كنت حليما، وبدا على لسانك إن كنت سفيها، وإن لم يزد ذلك على أن يظهر في وجهك لآمن الناس عندك، فلا تأمنن أن يظهر ذلك للوالي؛ فإن الناس إليه بعورات الإخوان سراع، فإذا ظهر ذلك للوالي كان قلبه هو أسرع إلى التعتب والتعزز من قلبك؛ فمحق ذلك حسناتك الماضية، وأشرف بك على الهلاك وصرت تعرف أمرك مستدبرا، وتلتمس مرضاته مستصعبا.
اعلم أن أكثر الناس عدوا مجاهرا حاضرا جريئا واشيا وزير السلطان ذو المكانة عنده؛ لأنه منفوس عليه بما ينفس على صاحب السلطان، ومحسود كما يحسد غيره، غير أنه يجترأ عليه، ولا يجترئ على ذلك؛ لأن من محاسديه أحباء السلطان الذين يشاركونه في المداخل والمنازل، وهم وغيرهم من عدوه الذين هم حضاره، ليسوا كعدو من فوقه النائي عنه المتكتم منه، وهم لا ينقطع طمعهم من الظفر به، فلا يغفلون عن نصب الحبائل، فاعرف هذه الحال، والبس لهؤلاء القوم الذين هم أعداؤك سلاح الصحة والاستقامة ولزوم الحجة، فيما تسر وتعلن، ثم روح من قلبك كأنه لا عدو لك ولا حاسد، وإن ذكرك ذاكر عند ولي الأمر بسوء في وجهك أو في غيبك، فلا يرين منك الولي ولا غيره اختلاطا لذلك ولا اغتياظا، ولا يقعن ذلك موقع ما يكرثك؛ فإنه إن وقع منك ذلك الموقع أدخل عليك أمورا مشتبهة بالريب، مذكرة لما قال فيك العائب، وإن اضطرك الأمر في ذلك إلى الجواب، فإياك وجواب الغضب والانتقام، وعليك بجواب الحجة في حلم ووقار، ولا تشكن في أن القوة والغلبة للحلم أبدا.
لا تحضرن عند الوالي كلاما لا يعني، ولا يؤمر بحضوره إلا لعناية به، أو يكون جوابا بالشيء سئلت عنه، ولا تعدن شتم الوالي شتما ولا إغلاظه إغلاظا؛ فإن ريح العز قد تبسط اللسان بألفاظ في غير سخط ولا بأس.
جانب المسخوط عليه والظنين به عند الولاة، ولا يجمعنك وإياه مجلس، ولا تظهرن له عذرا ولا تثنين عليه خيرا عند أحد من الناس، فإذا رأيته قد بلغ من الإعتاب مما سخط عليه فيه ما ترجو أن يلين له الوالي، واستيقنت أن الوالي قد استيقن بمباعدتك إياه وشدتك عليه؛ فضع عذره عند الوالي، واعمل في إرضائه عنه في رفق ولطف.
ليعلم الوالي أنك لا تستنكف عن خدمته، ولا تدع مع ذلك أن تقدم إليه القول عند بعض حالات رضاه وطيب نفسه في الاستعفاء من الأعمال التي يكرهها ذو الدين وذو العرض وذو المروءة من ولاية القتل والعذاب، وأشباه ذلك.
إذا أصبت الجاه والخاصة عند الملك، فلا يحدثن لك ذلك تغيرا على أحد من أهله وأعوانه، ولا استغناء عنهم؛ فإنك لا تدري متى ترى أدنى جفوة فتذل لهم فيها، وفي تلون الحال عند ذلك من العار ما فيه.
ليكن مما تحكم من أمرك ألا تسار أحدا من الناس، ولا تهمس إليه بشيء تخفيه عن السلطان؛ فإن السرار مما يخيل إلى كل من رآه أنه المراد به، فيكون ذلك في نفسه حسيكة ووغرا وثقلا.
لا تتهاونن بإرسال الكذبة عند الوالي أو غيره في الهزل؛ فإنها تسرع في رد الحق وإبطال الصدق، مما تأتي به.
অজানা পৃষ্ঠা