فهذه الثلاثة هي الأصل والقانون في جميع ما يركب منها من النغمات، وما يركب من النغمات في جميع اللغات من الألحان، وما يتركب منها من الغناء في جميع اللغات، فإذا ركبت من هذه الثلاثة الأصول اثنين اثنين كانت منها تسع نغمات ثنائية، وهي هكذا: نقرة ونقرتان مثل قولك: تن تنن، وتكرر دائما.
ومنها نقرتان ونقرة مثل قولك: تنن تن، وتكرر دائما، ومنها نقرة وثلاث نقرات مثل قولك: تن تننن، ويكرر دائما، ومنها نقرتان ونقرتان مثل قولك: تنن تنن، ويكرر دائما، ومنها ثلاث نقرات ثلاث نقرات مثل قولك: تننن تننن.
ومنها ثلاث نقرات ونقرتان مثل قولك: تننن تنن، ويكرر دائما، ومنها ثلاث نقرات ونقرة مثل قولك: تننن تن، ويكرر دائما، ومنها نقرة وسكون قدر نقرة، وهي الأصل والعمود مثل قولك: تن تن تن تن، ويكرر دائما، فهذه جملة النغمات الثنائية.
وأما الثلاثية فهي عشرة تركيبات: نقرة ونقرتان، وثلاث نقرات، ونقرتان ونقرة وثلاث نقرات، ونقرة وثلاث نقرات ونقرتان، وثلاث نقرات ونقرة ونقرتان، ونقرتان وثلاث نقرات ونقرة، وثلاث نقرات ونقرتان ونقرة، ونقرة وثلاث نقرات ونقرة، ونقرتان وثلاث نقرات ونقرتان، وثلاث نقرات ونقرة وثلاث نقرات، وثلاث نقرات ونقرتان وثلاث نقرات، فهذه جميع أنواع الإيقاع المركبة من النقرات، ثلاثة منها مفردة، وتسعة ثنائية، وعشرة ثلاثية، فذلك اثنان وعشرون تركيبا.
والذي تركب من هذه في غناء العربية ثمانية أنواع، وهي: الثقيل الأول وخفيفه، والثقيل الثاني وخفيفه، والرمل وخفيفه، والهزج وخفيفه، وهذه الثمانية الأجناس هي الأصل، ومنها يتفرع سائر أنواع الألحان، وإليها تنسب، كما أن من الثمانية مقاطع يتفرع سائر ما في دوائر العرض، فقد تبين بما ذكرنا أن كل صناعة من الرياضيات أربعة أصول، منها يتركب سائرها، وتلك الأربعة أصلها واحد. كما بينا في رسالة الأرثماطيقي كيفية تركيب العدد من الواحد الذي قبل الاثنين، وفي رسالة جومطريا بينا بأن النقطة في صناعة الهندسة مماثلة للواحد في صناعة العدد، وفي رسالة الأسطرنوميا بينا أن الشمس وأحوالها من بين الكواكب كالواحد في العدد والنقطة في صناعة الهندسة.
وفي رسالة النسب العددية بينا أن نسبة المساواة أصل وقانون في علم النسب كالواحد في صناعة العدد، وفي هذه الرسالة قد بينا أن الحركة كالواحد، والسبب كالاثنين، والوتد كالثلاثة، والفاصلة كالأربعة، وسائر نغمات الألحان والغناء مركبة منها، كما أن سائر الأعداد من الآحاد والعشرات والمئين والألوف مركبة من الأربعة والثلاثة والاثنين والواحد، وفي رسالة المنطق قد بينا أيضا أن الجوهر كالواحد والتسع المقولات الأخر كتسعة الآحاد، أربعة منها متقدمة على باقيها، وهي الجوهر والكم والكيف والمضاف وسائرها مركبة منها.
وفي رسالة الهيولى بينا أن الجسم مركب من الجوهر والطول والعرض والعمق، وسائر الأجسام مركبة من الجسم المطلق، وفي رسالة المبادئ بينا أن الباري - جل ثناؤه - نسبته من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، والعقل كالاثنين، والنفس كالثلاثة، والهيولى كالأربعة، وسائر الخلائق مركبة من الهيولى والصورة المخترعين من النفس الكلية، والنفس الكلية منبعثة من العقل الكلي، والعقل مبدع بأمر الباري - جل ثناؤه - أبدعه الله لا من شيء، وصور فيه جميع الأشياء بالقوة والفعل.
وغرضنا من هذه الرسائل كلها أن نبين لأهل كل صناعة وحدانية الباري - جل ثناؤه - من صناعتهم؛ لتكون أقرب إلى فهمهم، وأبين لحجتهم، وأوضح لبرهانهم، وهكذا فعلنا في سائر الرسائل، ونبين أيضا كيفية حدوث الموجودات بعضها من بعض بإذن الله - جل ثناؤه - وحسن عنايته وإتقان حكمته ودقة صنعته، فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين وأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
ونرجع الآن إلى ما كنا فيه فنقول: إن كل نقرتين من نقرات الأوتار وإيقاعات القضبان فلا بد من أن يكون بينهما زمان سكون - طويلا كان أو قصيرا - وأنه إذا تواترت نقرات تلك الأوتار وإيقاعات تلك القضبان؛ تواترت أيضا سكونات بينهما، ثم لا تخلو أزمان تلك السكونات من أن تكون مساوية لأزمان تلك الحركات، أو تكون أطول منها، وإذا كانت أقصر منها فالمتفق عليه بين أهل هذه الصناعة أن زمان الحركة لا يمكن أن يكون أطول من زمان السكون الذي هو من جنسه، فإن كانت أزمان السكونات مساوية لأزمان الحركات في الطول، ولا يمكن أن يقع في تلك الأزمان حركة أخرى؛ سميت تلك النغمات عند ذلك العمود الأول، وهو الخفيف الذي لا يمكن أن يكون أخف منه؛ لأنه إن وقعت في تلك الأزمان حركة أخرى صارت نغمتها متصلة بنغمة النقرة التي قبلها والتي بعدها، وصار الجميع صوتا متصلا.
وإن كانت أزمان السكونات طولها بمقدار ما يمكن أن يقع فيها حركة أخرى؛ سميت تلك النغمات العمود الثاني والخفيف الثاني، وإن كانت أزمان تلك السكونات أطول من هذه بمقدار ما يمكن أن يقع فيها حركتان، سميت تلك النغمات الثقيل الأول، وإن كانت تلك الأزمان أطول من هذه بمقدار ما يمكن أن يقع فيها ثلاث حركات سميت تلك النغمات الثقيل الثاني.
অজানা পৃষ্ঠা